لماذا سقطت ليبيا واليمن؟

لماذا سقطت ليبيا واليمن؟

كل الذين يحرقون ليبيا اليوم طالما انتقدوا معمر القذافي واتهموه بالديكتاتورية وأقاموا الأفراح والليالي الملاح يوم أن قتلوه ونكلوا به، ولا أحد ينكر أن القذافي كان ديكتاتورا، لقد كانوا على حق، ولقد كان القذافي أكثر من ديكتاتور.
وكل الذين يحرقون اليمن اليوم كانوا ينكرون على علي عبدالله صالح فساده وسعيه لتوريث الحكم لنجله، وأقاموا الأفراح والليالي الملاح يوم تنحيه، ونحن لا ننكر أيضا أنهم كانوا على حق في اتهامهم لصالح بالفساد وأكثر من الفساد.
وفي ليبيا وفي اليمن ظن الجميع أن الأيام الجميلة ستأتي بعد أن زال الكرب وذهب الطغاة إلى غير رجعة،ولكن هذا لم يحدث، ولكن جاءت على الدولتين أيام سود وأصبح الناس يرون المستقبل أشد سوادا، فلماذا حدث كل هذا؟ لماذا أصبحت ليبيا دولة فاشلة تسيطر عليها وتنهب ثرواتها جماعات إرهابية مجرمة، ولماذا سقطت اليمن في أيدي عصابات الحوثيين المسلحين والممولين من قبل إيران؟
أسئلة كثيرة، إحباط وحسرة لا نهاية لهما ينتابان كل من ينظر إلى حال الدول العربية التي لم تفطن شعوبها حتى اللحظة لخطورة ما يجري فيها؟
أما السؤال الذي لم يكن لأحد أن يتشجع ويسأله منذ ثلاث سنوات فهو: هل لا تزال الدول العربية غير مؤهلة لممارسة الديمقراطية وتشكيل مؤسسات ديمقراطية مثل غيرها من الشعوب الغربية؟
بإمكاننا أن نسأل هذا السؤال الآن وبكل شجاعة دون أن يقوم أصحاب ثورات الخراب العربي برجمنا أو إهدار دمنا، وبإمكاننا أن نجيب عليه بنعم دون خوف أو تردد. نعم الشعوب العربية غير مؤهلة لممارسة الديمقراطية، فالديمقراطية ليست ليلة القدر تنزل على الشعوب فتنقلها من التعاسة إلى السعادة، ولكنها سنوات طويلة من الدراسة والتعلم والتراكم.
الديمقراطية لا تولد كاملة مرة واحدة ولكنها تكتمل تدريجيا بالتراكم، والتراكم دائما يصنع المجد، ولا يمكن لشعوب لم تمارس الديمقراطية لحظة واحدة، داخل الأسرة أو داخل المدرسة، ولا تفهم معنى الحرية، ومعنى الوطن، لا يمكن لها أن تقوم بشكل مفاجئ بإنشاء مؤسسات ديمقراطية كاملة وتنصيب حكام دون أن يبصق بعضها في وجه البعض الآخر ويمزق ثيابه. وإن استطاعت هذه الشعوب أن تنتخب رئيسا أو تقيم مؤسسة ما، فلابد أن يسعى الطرف المهزوم الذي سارت الأمور على عكس خططه وهواه، لهدم ما تم بناؤه، حتى إن أدى ذلك إلى هدم الوطن كله، ولابد أن تلعب الطائفية والقبلية والجهوية لعبتها وسط الجهل والتخلف والمغالبة فيسقط الوطن ويذهب الجميع إلى الجحيم.
هذا بالضبط ما حدث في ليبيا واليمن، وبكل شجاعة نقول إنه سيحدث في سوريا بعد أن يسقط الأسد، إن قدر له أن يسقط في المدى القريب.
قد يصفنا البعض بالجنون ويتساءل هل يمكن أن يحدث لسوريا والسوريين أسوأ مما يحدث لها الآن على أيدي رجال الأسد وشبيحته؟ ونحن نرد بكل شجاعة أيضا ونقول: نعم سيحدث ما هو أسوأ من ذلك بكثير،ليس لأن الأسد هو الحاكم العادل المبرأ من كل فساد أو استبداد، ولكن لأن الطائفية وعدم الاتفاق والتدخلات الخارجية وتصارع الطامحين من هنا وهناك سيصنع بسوريا أكثر مما صنعه الأسد، وسوف يأتي اليوم الذي يجلس فيه زعماء سوريا على تلتها وينتظرون مجيء المبعوث الأممي ليحاول عبثا أن يمنع تحلل الدولة، كما يحاول بن عمر في اليمن الآن.