كثيرا طلب مني الأصدقاء أن أكتب عن مدينة الحد ومشكلاتها وتطلعات أهلها، وذلك ليقينهم ما لهذه البقعة من أرض البحرين عندي وعند عائلتي من مكانة خاصة، فقد عاش عليها والدي خليفة حسن قاسم عليه رحمة الله وخلدها في شعره، ولذلك فالحد بالنسبة لي الماضي الجميل والبقعة التي لا تهون أبدا، و”قد يهون العمر إلا ساعة وقد تهون الأرض إلا موضعا”.
ولكن الحد ذات الجغرافيا الفريدة والشخصية الجميلة، رغم بساطتها، قد تغيرت كثيرا ولم يبق شيء على حاله، فضرورات الحياة وحاجة الناس للسكن أجبرتنا على تغيير الكثير من المعالم وعلى التضحية بالكثير مما وهبته لنا الطبيعة من أشياء تنفع النفوس وتنفع الأبدان.
ورغم أن امتداد يد الإنسان بالتغيير في هذه المدينة كان ضرورة حياتية كما هو الحال في مواضع أخرى كثيرة في بلدنا الصغير، إلا أن سلبيات كثيرة صاحبت هذا التغيير أثرت على حياة أهلنا الذين يعيشون على أرضها وجعلتهم يرفعون شكواهم من وقت لآخر للمسؤولين والنواب، ولكن حظهم في الاستجابة لمطالبهم لا يزال محدودا، ولا تزال تطلعاتهم وآمالهم عريضة من رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، باني نهضة البحرين، الذي جعل الكثير من البقع على أرض البحرين محل احترام العالم ومحل فخر لنا جميعا.
إننا نثق أن الدور سيصيب الحد لا محالة وسوف تمتد اليد الكريمة لباني نهضة ومؤسس بنيتها الأساسية إلى مدينة الحد العريقة التي يحكي كل ركن فيها شيئا عن تاريخ البحرين وتراثها، وتكون مع مدينة المحرق شخصية البحرين التاريخية، وهذه البشارة أتت بما قررته الحكومة من بناء لـ 4000 وحدة سكنية لأهالي الحد والمناطق التي تحيط بها، وأول الغيث قطرة كما يقولون.
الحد في انتظار نهضة شاملة في قطاعات كثيرة، خاصة في بنيتها الأساسية، وتحتاج شوارعها إلى اهتمام خاص، مع اعترافنا، بطبيعة الحال، أن ذلك سيحتاج إلى ميزانية كبيرة، ولكن يمكن البدء بما هو أكثر إلحاحا من مطالب أهلها.
فالحد تعاني من تزايد أعداد العمال الأجانب من الهنود وغيرهم وما يترتب على هذه الزيادة من سلبيات معروفة لنا جميعا ولا داعي لتكرارها مجددا، ولابد من إيجاد حل لهذه المشكلة التي كثرت حولها شكاوى أهلها.
وأهالي الحد يشتكون من ارتفاع نسبة التلوث في مدينتهم بسبب ما تنفثه المصانع الموجودة على أرضها من مواد ضارة للصحة، وهي شكوى لابد أن تؤخذ في الاعتبار ولابد من تدخل حكومي للوقوف على نسبة التلوث الموجودة ومدى الخطورة المترتبة على ذلك والتعامل مع المشكلة كما ينبغي.
زبدة القول:
الحد، هذه المدينة القديمة التي نشم رائحة التاريخ في كل ما فيها، لابد أن يصيبها الدور وتنال حظها من نهضة البحرين الحديثة.
يقول الشاعر خليفة حسن قاسم، عاشق الحد، رحمه الله:
متى لاح لي من ساحل الحِد بارق
تداعت بأفكاري العهود السوابـق
وجاشت بنفسي الذكريات وعربدت
ظنوني وظني بذكر الأهل لا شك صادق
ألا إنني ذقت الأمرين بعـدمـا
ظعنت وقلبي في ثرى الحِد عالق
وبعـت الهـوى جهلاً وأزاً بربحه
فما عاد لي من ربح ما بعت دانق
على انني عودت أشريه مرغماً
لما حل بي فاستصعبته الطرائـق
ونفس الفتى ما بين زهـدٍ ورغبة
فمن لي بنفس أمرهـا متناسق
مدينة عيسى لم يطب لي مقامهـا
سوى أن عيسى قربه لا يفارقُ
ولولا اسمها من اسمه لهجرتها
فكل عروسٍ ماخلا الحِد طالقُ
يذكرني بالحِد قومٌ فقيرهم
غني، و أغناهم بسيط وآفق
عشيـرةُ ودٍ واتفاق وصفهـم
قويٌ فلا تقوى عليه الفوارق
رجالٌ إذا ما الجد جد فإنهم
ليوثٌ شرى والأجنبي خرانق
هم الجن إلا أن آدم جدهم
ويربطهم كالجن سراً تواثقُ
خطاطيف بحرٍ عرد الدهر جلدهم
متى شمّروا تلقي السلاح البوائق