كلمني عن جمال البحرين وعن طيبة وبساطة أهلها وماضيها الجميل وحاضرها الذي ينبغي على أبنائها المخلصين أن يحموه من الخطر، بشكل أدهشني وأخجلني في الوقت ذاته؛ لأن حديثه عن بلدي وسماتها وأهميتها كان أجمل وأدق بكثير مما أعرفه وأقوله أنا عن بلدي،ولأن خوفه على البحرين جعلني أشعر بالتقصير نحو بلدي، فمن النادر أن تجد إنسانا مهما اتسعت ثقافته وتعددت فروعها يتحدث عن دولة أخرى بهذا الإخلاص وبهذه الحرارة.
لو كان عند لقائي هذا به مقيما في البحرين أو يشغل وظيفة بها لظننت أن هذا حديث مجاملة يقوله كثير من المقيمين لأسباب كثيرة، ولو كنت أنا وزيرة أو مسؤولة لظننت أن الرجل يريد شيئا من البحرين أو يريد أن يعود إليها، ولكنه الآن في حالة وفي مهام كبيرة في بلده ولديه من الأعباء والأعمال ما يمنعه من السفر لأي مكان.
هذا الرجل العاشق لتراب البحرين وأهلها هو الدكتور خلف الميري أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة البحرين سابقا، وكيل وزارة الثقافة المصرية، الأستاذ الجامعي بأكثر من جامعة مصرية حاليا.
زرته في مكتبه بالمجلس الأعلى للثقافة في مصر، دون موعد تقريبا، فقد هاتفته فقط وأبديت رغبتي في زيارة المجلس الأعلى للثقافة والحصول على بعض الكتب وزيارة مركز الترجمة، ذلك المركز الرائع الذي يقدم إنتاجا جيدا ومفيدا للقارئ المصري والعربي، فرحب الرجل على الفور، وقال مرحبا بك في كل وقت يا ابنة البحرين، فأهل البحرين أهل كرم وأهل طيبة وبساطة، واستقبلني الرجل بعد نصف ساعة هو قدر المسافة بين نزلي الذي أقيم فيه وبين مكتبه.
تخيلت أن مهام الرجل بسيطة أو أن برنامجه غير مزدحم في ذلك اليوم، حيث إن استقباله لي بعد نصف ساعة من مكالمتي له شيء من الصعب تحقيقه خصوصا في الدول الكبيرة المزدحمة مثل مصر، ولكن هالني بعد وصولي للمكان أن الرجل مطلوب منه بعد أن خرج لتوه من افتتاح ندوة كبيرة بمقر المجلس الأعلى للثقافة أن يتحدث لثلاث قنوات تلفزيونية وأن يستقبل زوارا آخرين في مكتبه، وخلال هذا كله تلقى مكلمات هاتفية تذكره بمواعيد محاضرات وإشراف على رسائل علمية وتستفسر عن أشياء أخرى كثيرة.
في وسط هذا الزحام الذي يمكن أن يتعب أعصاب أي إنسان ويرسم ملامح الإرهاق والضيق على وجهه، قابلني الدكتور خلف الميري بابتسامة عريضة وأعطاني من الوقت ما جعلني أشعر بالحرج وألح في الاستئذان أكثر من مرة، ولكنه رفض.
وبلغ من تواضع الرجل واحترامه أنه قام بنفسه بالتجول معي في أرجاء المجلس وشرح لي مكوناته وقاعاته الفخمة وحدثني عن نشاط كل قاعة وقسم ولجنة، وكان بوسعه أن يترك ذلك لموظف آخر، وعندما سألته عن اهتمامه واحترامه لي على هذا النحو رغم أعبائه الكثيرة، قال لي عبارة جميلة لن أنساها: “لأنك ابنة البحرين التي احترمتنا وأكرمتنا وبكيت يوم رحيلي عنها”.