خطبة الشيخ عيسى قاسم الجمعة الماضية التي تناول فيها مسألة الاعتداء الهمجي على حسينية الأحساء في المملكة العربية الشقيقة تذكرني بكتاب عنوانه “ثقوب في الضمير” الصادر عن دار الشروق، للدكتور أحمد عكاشة، وهو أستاذ مصري شهير.
يقول الدكتور أحمد عكاشة في مقدمة كتابه الرائع، تلك المقدمة التي تقدم خلاصة مهمة عن أحوال المجتمع المصري والثقوب الواسعة التي أصابت الضمير العام فيه، والتي يمكن أن تنطبق إلى حد كبير على الكثير من المجتمعات ومنها مجتمعنا الذي نعيش فيه، يقول: “كلنا نشكو، ولنا جميعا الحق في شكوانا. وإذا كنا نحس أسفا على ما آلت إليه أوضاعنا الأخلاقية وما آلت إليه قيمنا مما يمس الضمير العام، إلا أننا جميعا خلال التعبير عن الأسف، ننسى أن ما نشكو منه هو في واقع الأمر نتاج لما حدث على مر السنين. بمعنى أن ما يشكو منه البعض – وهو طرف فيه أو شاهد عليه – قد يتجاهل أصحابه تماما أن لهم بالمثل ممارسات يمكن أن تكون مثار شكوى آخرين، ومن هنا يصبح على المجتمع كله أن يتفق على أن الإصلاح وتدارك الأخطاء وإيقاظ الضمير العام مسؤولية جماعية تضامنية. وبدون ذلك لا أظن أن الضمير العام سيسلم من اتساع الثقوب، التي كلما حاولنا رتقها أخفقنا بل وفوجئنا بالمزيد من الثقوب”. انتهى كلام الدكتور أحمد عكاشة.
أما الشيخ عيسى قاسم فقال في تعليقه على حادث الأحساء “إنه عدوان جاهلي وإنه من أمقت ألوان العدوان الجاهلي حيث لا خلفية من دينٍ ولا عقلٍ ولا ضمير إنساني، ولا عقلانيةٍ لهذه الجريمة البشعة”.
ومن حق الشيخ قاسم أن يمقت الإرهاب بأشد العبارات كما فعل غيره كثيرون، فالإرهاب مرفوض بكل ألوانه وقتل الأبرياء ليس من الإسلام في شيء، ولكن توظيف مثل هذه الحوادث في التحريض وشق الصفوف لا يمكن أن يقبله اي مسلم أيضا.
فعندما يقول الشيخ وهو على المنبر: “ليت حكومات المسلمين تتوقف عن تغذية هذا الإرهاب ومده بأسباب التوسع والقوة، ومن أبرز ذلك مواصلتها لمعاداتها لشعوبها، ومناهضتها لمطالبتها بحقوقها”، فهو يقدم رسالة طائفية واضحة ومفهومة ويوظف هذا الحدث المرفوض من الجميع توظيفا تخريبيا طائفيا سوف يفهمه جيدا أبناء طائفة معينة وتزداد كراهيتهم لغيرهم من الناس والحكام.
القتل ليس من الاسلام، والتحريض على القتل ليس من الاسلام، والمزج بين القضايا العادلة والقضايا الظالمة في رسالة واحدة لا يمكن أن يكون أيضا من الإسلام، لأن في ذلك خبث وخداع واستخدام شيطاني لمشاعر الناس.
ورسالة رجل الدين إلى مجتمعه ومريديه يجب أن تختلف عن رسالة السياسي الساعي إلى تحقيق أهداف انتخابية ولو على حساب مصلحة المجتمع ومصلحة الإسلام الذي يتفوه الجميع بالدفاع عنها.
بمعنى أن الحوادث الإرهابية، خصوصا المرتبطة منها بنواح طائفية عفنة، يجب أن تكون منطلقا للتهدئة ونبذ العنف والكراهية والدعوة إلى وحدة الصف وليس للشحن والشحن المضاد لأن هذا لا يؤدي إلا إلى المزيد من الإرهاب الذي يمقته الشيخ.
رجال الدين يجب أن يسعوا إلى رتق الثقوب الموجودة في ضمير المجتمع لا إلى توسيعها ولا إلى عمل ثقوب جديدة تصعب مهمة غيرهم من الساعين لرتقها.
إنني أدعو كل من ينتقد غيره وينتقد أوضاعا معينة داخل مجتمعه أن يقرأ هذا الكتاب القيم للدكتور أحمد عكاشة، لأن الكثير ممن يجلدون الغير، هم أطراف في الأخطاء أو الانحرافات أو الثقوب التي يرون أنها أصابت هذا الغير.