كلمة “كانو” تعني العطاء

كلمة “كانو” تعني العطاء

في كل دول العالم تجد عائلات فيها تشتهر بشيء محدد، فهناك عائلات تشتهر مثلا بالتجارة في سلعة معينة، وهناك عائلات تشتهر بالمهارة والنبوغ في مهنة من المهن، ولكننا قلما نجد عائلة تجتمع فيها الفضائل التي اجتمعت في عائلة «كانو» البحرينية.
 فقد اشتهرت هذه العائلة منذ أكثر من مائة عام بالتجارة وبحب العلم والانفاق عليه، إيمانا منها بأن العلم هو أساس تقدم الأمم.
وقد ورثت عائلة كانو القيم الاسلامية وحب العلم عن عميدها يوسف بن أحمد كانو الذي أسس شركة تجارية باسمه منذ العام 1890، وحرص على تعليم أحفاده وأقاربه، حتى أصبح حب العلم صفة رئيسية لدى هذه العائلة.
 ولو سألنا أي شخص أقام في البحرين مدة طويلة أو حتى قصيرة عن الشعور الذي يشعر به والصورة الذهنية التي يمكن أن يعبر عنها عندما يستمع إلى كلمة «كانو»، فسيقول لك كانو تعني العطاء بلا حدود.
كل من زار البحرين وذهب إلى «بيت القرآن»، تلك المؤسسة العلمية العظيمة سيتذكر الدكتور عبداللطيف كانو تلك الشخصية الهادئة الوقورة التي تعطي بلا حدود وتترك أثرا جميلا لدى كل الذين زاروا هذه المؤسسة، وترسم صورة عظيمة للبحرين وأهلها.
كل الذين زاروا «الملتقى الثقافي الأهلي»، الذي أصبح الآن يسمى مركز عبد الرحمن كانو الثقافي، عرفوا السيد عبد الرحمن بن جاسم كانو وتواضعه الجم وعطاءه الدائم في خدمة الثقافة والمثقفين، وتحمله كافة نفقات هذا المركز دون النظر لأي عائد من أي نوع، فلا هو يسعى إلى منفعة مادية، ولا هو يسعى للدعاية الشخصية من أجل دخول الانتخابات والفوز بمقعد في البرلمان، ولكنه يمارس نوعا من العطاء النادر الذي لم يعد موجودا بكثرة في هذا الزمن المادي الذي يزن كل شيء بالمال.
لقد ظل الوجيه عبد الرحمن كانو سنوات طويلة يرعى الملتقى الثقافي الأهلي ويذهب إليه لحضور الأمسيات والحلقات النقاشية والمحاضرات بتفان وعشق عجيب، ولم يمنعه المرض نفسه من ممارسة الشيء الذي أحبه، فكان يذهب إلى الملتقى ومعه ممرضته الخاصة ويتناول دواءه أثناء الفعاليات.
ولكن ذات ليلة بقي مقعده خاليا، «وكل ابن أنثى وإن طالت سلامته، يوما على آلة حدباء محمول»، ورحل عبد الرحمن كانو عن دنيانا وبكاه الملتقى وبكاه كل رواده، وشعر كثيرون بأن الأمسيات الجميلة قد ماتت وبأنهم سيحرمون من التردد على هذا المكان الذي أحبوه، وشعروا أن مصباح عبد الرحمن كانو قد انطفأ، ولكن عائلة كانو الكريمة صاحبة العطاء الطويل أبت أن ينطفئ هذا المصباح وأعلنت أنها ستواصل رعاية هذا الملتقى الذي سمي بعد رحيل مؤسسه وراعيه بمركز عبد الرحمن كانو الثقافي تخليدا لذكراه العطرة.
يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
دقات قلب المرء قائلة له    إن الحياة دقائق وثواني
فاطلب لنفسك بعد موتك ذكرها   فالذكر للإنسان عمر ثاني
وستظل البحرين دوما تذكر لعبد الرحمن كانو ولعائلة كانو أنهم أناس استطاعوا أن يجمعوا بين الدين والدنيا.
فما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا وما أقبح الكفر والإفلاس بالرجل.