قناة العاصمة الليبية تتعرض للهمجية مرة أخرى

قناة العاصمة الليبية تتعرض للهمجية مرة أخرى

مرة أخرى تعرضت قناة العاصمة الفضائية الليبية لاعتداء همجي يبين مدى التخلف ومدى الانهيار الأخلاقي لدى جماعات معينة في ليبيا، التي يفترض أن ثورة قامت بها، ويفترض أن عهدا جديدا بدأ بها، ويفترض أن حرية التعبير قد حلت بها بعد طول غياب، ويفترض أن الطغيان والفساد قد رحلا من أرضها وحل محلهما الحرية والكرامة الإنسانية.
ولكن كما هو واضح لا شيء حدث من كل هذه الأشياء المفترض حدوثها.. فما معنى أن تقوم مجموعة من البلطجية باقتحام قناة فضائية في وضح النهار وإيقاف بثها وتقييد مديرها وصاحبها والعاملين بها وأخذهم إلى مكان غير معروف؟
لا تشغلنا المواقف السياسية لهذه القناة أو انتقادها لطرف أو تأييدها لآخر، ولكن تشغلنا هذه الطريقة المتخلفة التي تصفى بها الحسابات في دولة عربية إسلامية قامت بها ثورة ضد الحكم المستبد.
إذا كانت الحسابات سيتم تصفيتها بهذه الطريقة، فنحن إذا أمام مجتمع قبلي متخلف ولسنا أمام دولة تعرف النظام والإدارة وتحترم كرامة الإنسان.
إذا كان الانهيار الأخلاقي والأمني هو حصيلة ما يسمى بالثورات العربية، فتباً لهذه الثورات، فالأمن لا يعوضه شيء ولا يمكن لأحد أن يعيش بدونه.
يستطيع الإنسان أن يعيش طوال عمره بلا ديمقراطية، ويستطيع أن يعيش طوال عمره في ظل حكم ديكتاتوري ظالم، ويمكن أن يظل فقيرا لا ينال حظه من العدالة الاجتماعية، ولكنه لا يستطيع أن يعيش ليلة أو لحظة بلا أمن.
ففي ليلة بلا أمن يمكن أن يفقد الإنسان حياته ويمكن أن يفقد كرامته ويفقد شرفه على أيدي معدومي المروءة والضمير.
يبدو أن الحرية والديمقراطية التي قامت (الثورات) من أجلهما لا يناسبان كل الشعوب، أو على الأقل لا يمكن تطبيقهما مرة واحدة دون إعداد أو تمهيد في شعوب فوجئت بها دون أن تعرف معناهما.
الإنسان الذي مصيره سيحدد على أيدي مجرمين عقب ثورة قامت دون أن يحميه أحد، حتما سيلعن الثورة واليوم الذي قامت فيها، والإنسان الذي فقد ابنه أو أباه ظلما في بلد حولته الثورة إلى عصابات متناحرة، حتما سيترحم على أيام الديكتاتورية التي مضت.
فالدكتاتور الذي يحميني ويدخل الهمجيين والبلطجية إلى جحورهم أفضل كثيرا من حاكم أتى بإرادة شعبية كاملة ولكنه لم يحمني ولم يحم شرفي ولا تجارتي.
هذه ليست دعاية للدكتاتورية والاستبداد، ولكنها صرخة رفض للفوضى التي تعيشها أقطار عربية عزيزة بعد أن أطاحت بأنظمتها وظنت أنها قادرة منذ إطاحتها بهم على ممارسة الديمقراطية دون أن تفهمها وتعلمها.
الديمقراطية ليست صناديق انتخابات وتصويت يأتي بهذا أو ذاك للحكم، ولكنها ثقافة تتعلمها الشعوب منذ نعومة أظفارها وتمارسها في البيت وفي المدرسة وفي العمل، وعندما تقوم هذه الشعوب باختيار حكامها أو نوابها، يتعين على الطرفين أي الحاكم والمحكوم احترام بعضهما البعض، فلا المحكوم يسعى لإسقاط الحاكم بعيدا عن صناديق الاقتراع، ولا الحاكم يهين الذين انتخبوه ويغلق باب الديمقراطية خلفه حتى لا يدخل من خلاله أحد بعده.