انتهى عام 2011، وما أدراك ما عام 2011، إنه عام الأحداث الكبيرة في العالم العربي، إنه العام الذي تغير فيه التاريخ ورحلت فيه العروش.
انتهى العام الذي شهد أخطر الأحداث في العالم العربي خلال العقود الماضية، ولم يكن يصل إلى خيال أحد أن كل هذه الأحداث والتغيرات الدراماتيكية السريعة ستقع بهذه الكثافة خلال عام واحد، فالتغيرات كانت تسير في عالمنا العربي بسرعة السلحفاة، والشعوب العربية ظلت راضية بما هي فيه لسنوات طويلة، ولكن الانفجار جاء مفاجئا وبشكل أدهش الجميع لدرجة أدت إلى تغير اتجاه رياح التغيير بشكل عجيب، فالشعوب العربية، رغم صمتها الطويل، تحولت فجأة إلى مصدر إلهام لغيرها من الشعوب، وأصبح شباب أوروبا يحاكون شباب العرب في التمرد على أوضاعهم، بعد سنوات طويلة كان شباب العرب يحاكون شباب الغرب في الملابس وفي حلاقة الشعر.
سبحان مغير الأحوال، فمن كان يتخيل أن بائع الخضر التونسي الفقير محمد بو عزيزي هو الذي سيفجر الشرارة التي غيرت تاريخ تونس وأهاجت مشاعر المصريين ليفعلوها في ثمانية عشر يوما؟
محمد بوعزيزي كان يمشي بعربته القديمة بحثا عن لقمة عيشه، راض بقدره وفقره، عندما فاجأته شرطية تونسية بصفعة على وجهه، لم تكن تعلم أنها بهذه الصفعة قد دقت آخر مسمار في نعش نظام الرئيس زين العابدين بن علي، ولم تكن تعلم أن تونس ستشهد انطلاقة لأحداث عربية كبيرة، ولكنها إرادة الله وإرادة الشعوب، “فإذا الشعب يوما أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر”.
وفي مصر كانت نهاية نظام الرئيس حسني مبارك الذي ظل ثلاثين عاما أكثر سرعة وأكثر درامية، فلم يكن يدور بخلد عباقرة التحليل السياسي أن المصريين سيفعلونها في وقت قياسي. فثمانية عشر يوما فقط كانت كافية لخلع أعتى نظام في المنطقة، وتغير تاريخ مصر، وأدرك اليمنيون والليبيون أن المسألة ليست حادثة فردية، فها هي مصر مصدر الالهام الأصلي قد فعلتها، وأن الفرصة لن تتكرر ففعلوها هم أيضا.
فقتل القذافي بعد أن تلطخت يديه بدماء شعبه الذي تركه في الحكم اثنين وأربعين عاما، ورحل القذافي الذي يعد من أغرب الحكام عبر التاريخ في خصاله وممارساته وملابسه وتحليله للأمور.
وأجبر الرئيس علي عبد الله صالح على التوقيع على المبادرة الخليجية ليترك الحكم في اليمن، بعد أن باءت كل محاولاته ووعوده الاصلاحية بالفشل.
ولكن عام 2011 انتهى قبل أن ينال السوريون حريتهم، رغم الشهداء والدماء، فلا يزال نظام الأسد يحلم بالبقاء في السلطة حتى وإن قتل نصف هذا الشعب العظيم الذي لا يستحق كل هذا التنكيل والظلم.
فهل سيشهد شتاء العام الجديد فرحة السوريين بحريتهم بعد هذا الثمن الذي قدموه، أم إن المأساة ستطول؟
وندعو الله أن يشهد العام الجديد التئاما لكل الجروح التي لا تزال مفتوحة في مصر واليمن وليبيا كما التأم الجرح التونسي.