العنف والتخريب والتمرد على النظام العام والقانون يحدث في الدول التي تعاني انسداد الأفق السياسي كنتيجة مثلا لتزوير الانتخابات، والتنكر لإرادة الشعب وما قررته الأغلبية، والانقضاض على الديمقراطية برمتها. أما العنف في البحرين، فهو شأن آخر تماما، لأنه بدون مبالغة، عنف من أجل العنف، ومن أجل خلق أجواء ظلامية لتحقيق مآرب معينة، فما يريده المخططون لإثارة الفوضى في بلادنا، ليس سعيا إلى ديمقراطية أو إصلاح، ولكنه سعي مكشوف للانقضاض على المشروع الإصلاحي الذي تبناه جلالة الملك دون ضغوط من أحد، هنا أو هناك.
ولا عجب في هذا، فهناك فئة من الناس لا يناسبها المشروع الإصلاحي ولا يناسبها السير في طريق الديمقراطية، الذي بدأته البحرين وقطعت فيه شوطا كبيرا، لأن البرنامج الإصلاحي يفقد هذه الفئة مبرر وجودها ويقف عقبة في طريق تحريض الشباب. هم يتحركون لهدم ما ارتضته غالبية الشعب، لأن الفوضى هي البيئة الطبيعية التي تتحقق فيها طموحاتهم.
أنا لا أقول إن البحرين أصبحت “اليوتوبيا”، ولكن البحرين قطعت شوطا كبيرا في طريق الإصلاح والديمقراطية، بشهادة القريب والبعيد، ولكن حتى لو أصبحت البحرين “يوتوبيا”، فلن يتوقف البعض عن العنف والتحريض. فهل يوجد دليل على سوء النوايا أكثر من الإصرار كل عام على اختيار أوقات بعينها لزيادة معدل العنف والتحريض، صحيح أن لدينا كل يوم جمعة، على الأقل، مسيرة وحريقا، وكأن حرق الإطارات وحاويات القمامة، وتفجير “السلندرات” من شعائر الجمعة!! لكن اختصاص مناسبات وطنية معينة بمزيد من الحرق والتخريب والتحريض علامة واضحة على سوء النية، لأن المناسبات الوطنية التجسيد الواضح لوحدة الشعب، وليس العكس، وبالتالي فالسعي لتشويه هذه المناسبات وإفقادها معناها ورمزيتها، سعي لتشويه الوطن كمفهوم وقيمة بهدف تقديم الجماعة أو الطائفة كبديل لهذا الوطن. ويصاحب ذلك بطبيعة الحال التشكيك في الآخر لزيادة ترابط الفئة الواحدة، والمهم دوما هو بقاء “نحن” وبقاء “الآخر”.
لقد بلغ الأمر بالبعض أن يستنسخ كل تجارب الغير، حتى وإن كانت هذه التجارب، هدامة أو غير مبررة. قاموا بالذهاب للخارج ليقوموا بإثارة الغبار على وجه الوطن وتشويهه بالتزامن مع محاولات التشويه المصنعة محليا، والهدف واحد بالطبع هو تبشيع صورة الوطن، حتى وإن كان هذا الوطن فاتحا ذراعيه للجميع. لقد غاب عن هؤلاء الساعين للاستقواء بالخارج شيئان أساسيان، أولهما أن حالتهم لا يوجد لها ما يبررها لأن البحرين لم تطرد أحدا من أبنائها ولم تنكل بأحد، حتى عندما قام البعض بارتكاب جرائم ضد الوطن، وبالتالي فإن اللجوء للاستقواء بالخارج هو نوع مضحك من أنواع المحاكاة وتقليد الغير دون مبرر. أما الشيء الثاني الذي غاب عن هؤلاء، فهو أن التجارب أثبتت في أماكن عدة أن من يستقوي بالخارج يتحول إلى مجرد دمية في يد هذا الخارج، لذلك نحن لا نبالغ إذا قلنا إن الاستقواء بالخارج هو مرادف للخيانة.