مرت عشر سنوات على الغزو الأميركي للعراق، وها هو العراق كما يراه الجميع غارقا من شماله إلى جنوبه في الدم والدمار والترويع، فمن المسؤول بالضبط عن هذه الحال التي وصل إليها هذا البلد العربي الذي كان كبيرا في كل شيء؟
الولايات المتحدة بقيادة جورج دبليو بوش قالت للأميركيين إن قواتها ذاهبة للعراق للانتقام للأميركيين الذين قتلوا في أحداث برجي التجارة في الحادي عشر من سبتمبر، وقالت للعراقيين إنها جاءت إليهم لتخلصهم من استبداد صدام حسين والعراق سيصبح نموذجا يحتذى للمنطقة كلها، وهذه هي النتيجة، فقد دفع العراقيون ثمنا خلال السنوات العشر التي مضت لم يدفعوه في تاريخهم، ولم ينتقلوا من الاستبداد إلا إلى القتل والدمار والسقوط في قبضة المليشيات الإرهابية التي تهدم كل شيء حتى آثار العراق.
وفي خضم هذا الخراب الذي يعم هذا البلد العربي، تتوارد الأخبار والاعترافات التي تبين الكذبة الكبرى التي أدخلتها الولايات المتحدة في رؤوس الجميع وقضت على أكبر جيش عربي.
فها هو كولن باول وزير الخارجية الأميركي الأسبق الذي وقف يوما أمام الأمم المتحدة يتحدث عن الشاحنات العراقية التي تعد بمثابة مصانع متحركة للأسلحة الكيمياوية والتي تتحرك على الأراضي العراقية خشية أن يقوم الأميركيون برصدها، يعلن ندمه على ما بدر من أكاذيب آنذاك حول أسلحة العراق، وهل ينفع الندم فيما يتعلق بقرارات الحروب التي تدمر مقدرات الشعوب؟
ومن قبل كولن باول أقر "جون برينان"، مدير وكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي ايه" بكذب الادعاءات التي ساقتها إدارة بوش حول وجود علاقة بين حكم الرئيس صدام حسين وتنظيم القاعدة فى إطار التخطيط لهجمات 11 سبتمبر 2001.
وباراك أوباما يعلن دون خجل أن تنظيم داعش الذي يعيث في الأرض فسادا هو من ثمار الاحتلال الأميركي للعراق! حيث قال بالحرف الواحد "إن تنظيم داعش هو ثمرة مباشرة لتنظيم القاعدة في العراق التي انبثقت من غزونا له، وبالتالي فالتنظيم مثال للتبعات غير المقصودة للحرب"!
لم يصبح العراق نموذجا يحتذى كما قال جورج دبليو بوش، ولكن العراق كان المحطة الأولى على طريق تدمير مقدرات الأمة العربية واقتسامها مع إيران.
والغريب أننا رغم كل هذه الاعترافات من أطراف الجريمة لا نتعلم أبدا من تجارب الأمس ولكننا مازلنا نبتلع الأكاذيب ونلبس الثياب التي تحاك لنا، فإذا كانت هذه هي مساحة الكذب فيما يتعلق بالعراق وما جرى لا يزال يجري فيه، فما هي مساحة الكذب فيما حدث ويحدث لبقية الأمة؟
لا يزال الواهمون منا يسعون إلى التغيير عن طريق العنف ويؤمنون بالشعارات التي قضت على مستقبل شعوب حولنا وأخذت منهم الأمن والأمان ولم تعطهم شيئا.