في نوفمبر 2003 انتقل إلى رحمة الله تعالى والدي بعد رحلة طويلة قضاها متنقلاً بين الأدب والصحافة في أكثر من بلد، وعلى اثره تناولت وسائل الإعلام البحرينية بكل وسائطها خبر رحيل والدي بشيء كبير من التقدير والاحترام والعرفان، وتلك لمسة وفاء لا تنسى من القائمين على الإعلام في مملكتنا، وكذلك من الكتاب والصحافيين والقارئ البحريني الأصيل التواق لكل ما يلامس قلبه ويتحدث بلسانه، عن همومه وأحلامه وتطلعاته بلغه سهلة تمزج الجد بالسخرية.
اليوم، برحيل الشاعر البحريني الكبير ذي النهج الانفرادي عبدالرحمن رفيع، ترجع بي الذاكرة اثني عشر عاماً للوراء، وهي فترة بقياس الزمن ليست قصيرة، بيد انها قريبة الملامح، متداخلة المسافات، وما أشبه الليلة بالبارحة.
تذكرتُ حينما أرسل لي المرحوم رفيع أبياتاً شعرية يرثي فيها والدي، بالقول:
خليفة شاعر الظرف
خفيف الظل كالطيف
مضى، لكنه باق
ولم يـركن على الرف
خليفة، إنه حقاً
أميرٌ ساد بالحرف
ونجمٌ قد أضاء لنا
من الأعماق والجوف
وعلمنا، بحد يراعه
الجذاب، لا السيف
سيبقى كونه نهجاً
نسير عليه كالعرف
سيبقى دوحه تعطي
عطاء النخل في الصيف
ثمار بيانه تلكـــم
تمنحنا بلا خرف
ثمار السحر دائمة
برغم الجني والقطف
لم يكن رفيع شاعراً باللهجة العامية الدارجة فحسب، وإنما كان جزلاً في الشعر الفصيح، بيد أنه اختار أن يتخصص في الشعر العامي، وهو اختيار محبب لدى العامة وله مريدوه، واستطاع من خلاله أن يؤسس مدرسة ذاع صيتها في البحرين ومنطقة الخليج العربي، لبساطة الكلمة وعنفوانها في آن واحد، وأحسب أنه لم يتخرج أحد من مدرسته بعد.
برحيل رفيع، فإن الساحة الأدبية والثقافية في مملكة البحرين، فقدت قامة وقيمة أدبية كبيرة تنحدر من زمن جميل جميعنا يفخر به، ويدرك حقيقة ما فيه من عطاء وإبداع أخاذ، ممزوج بروح بحرينية شديدة البأس أسست لقواعد ومداميك صلبة، في العمل والبناء.
عبدالرحمن رفيع، سيظل في كتاب البحرين الأدبي والشعر العامي تحديداً، رائداً من الرواد الذين ستبقى آثارهم في حساب الزمان والمكان، رحمك الله يا أبا فهد وألهم ذويك الصبر والسلوان.