فى البدء أعلنها،والله على ما أقول شهيد ، أننى لست مع حماس ضد فتح أو مع فتح ضد حماس أو مع فتح ضد فتح أو مع قدومى ضد عباس، لأننا جميعا كعرب لايجب أن نكون مع فريق ضد آخر.كثيرا نكون مع حماس وكثيرا نكون مع فتح وغيرهما، ولكن ليس لنصرة أحدهما على الآخر.أنا مع أى فريق طالما أخلص للقضية واحترم ذكرى الشهداء.أنا مع القضية الفلسطينية الجريحة التى طعنت لدرجة أنه لم يعد فى جسدها مكان لطعنة جديدة.
أقول هذا الكلام بمناسبة ما صدر مؤخرا عن السيد فاروق قدومى ،عضو فتح ، المقيم كغيره كثيرين، خارج حدود فلسطين الجريحة، يتناول أطيب الطعام ويلبس أحسن الثياب، بعيدا عن النار والفزع والكوابيس التى تقض مضاجع أطفال فلسطين الذين ينتمون للطفولة فقط بحكم أنهم جاءوا للحياة منذ سنوات قليلة، ولا شيىء آخر.
السيد قدومى أخرج ما أسماه بوثيقة تقول أن الرئيس محمود عباس،أبو مازن، ومعه محمد دحلان قد تآمرا مع شارون لاغتيال الزعيم الشهيد ياسر عرفات.
ومهما كانت الأسانيد، ومهما كانت لهجة السيد قدومى الصارمة،ومهما كان تاريخه، إلا أن هناك أسئلة كثيرة لا أجد لها إجابات شافية تجعلنى لا أصدق أن هذه الوثيقة صحيحة، خاصة وأن نشرها بهذه الطريقة التى تبناها السيد قدومى تضر بالقضية الفلسطينية وتطعنها فى الصميم.وأنا لا أشكك فى مصداقية السيد قدومى أو أتهمه – وهو الرجل الكبير صاحب التاريخ فى خدمة القضية الفلسطينية من قبل أن أجيىء أنا إلى الحياة – ولكن ربما يكون السيد قدومى نفسه ضحية ويكون قد تم استخدامه بهذه الوثيقة التى تستطيع أجهزة الاستخبارات أن تفبرك أصعب منها بكثير وتمررها على نحو ما ،وفق حبكة لا تقبل التشكيك، فى ظل الخلافات الجارية بين السيد قدومى ورفاقه السابقين.
هذه ليست سذاجة وليست من قبيل التأثر بنظرية المؤامرة، ولكن الضرر الذى سيلحق بالقضية ،والذى يعلمه السيد قدومى أكثر منا، كان لابد أن يدفعه إلى التردد كثيرا قبل اللجوء ،فى هذا الوقت العصيب، إلى الضرب تحت الحزام، مهما كانت ثقته فى المصدر الذى وضع له الخنجر فى يده بتسليمه هذه الورقة.
أما الأسئلة التى تشغلنى ولا أجد لها إجابة شافية فمنها :
هل هناك عربى أو مسلم عاقل يمكن أن يشترك مع شارون فى مؤامرة مهما كان المكسب الذى سيعود عليه من ذلك؟ ومن الذى يصدق شارون حتى لو أقسم له على كل الكتب السماوية ومعها التلمود أنه لن يكشف أمره؟
ثم كيف خرج محضر الاجتماع المزعوم من إسرائيل، المكان الذى جرى فيه الاجتماع ؟ والمكان له دلالته أيضا هنا.
ولدى أسئلة أخرى كثيرة منها: متى بالضبط وصلت هذه الوثيقة للسيد قدومى؟ وهل هى حديثة لديه، أم وصلته قبل فترة وقرر الآن فقط أن يستخدمها ؟
وإذا كانت الوثيقة إسرائيلية فى الأساس لأنها كتبت فى إسرائيل، فما الذى جعل السيد قدومى يجزم أنها صحيحة ،وماهى وسائله فى التحقق؟ أليست هذه الورقة كأى ورقة تكتب وتختم من قبل أى جهة رسمية ،ويمكن لمن زوروا التاريخ نفسه وسرقوا كل شيىء حتى وصفات الطعام الفلسطينية، أن يختلقوا وثيقة كهذه، طالما أنها ستزيد الفلسطينيين تشرذما على تشرذمهم وتعطى لمجرمى الحرب الذريعة ليقولوا أنهم لا يجدون شريك سلام فلسطينى؟
إذن السؤال الذى يشغلنى هنا هو المحطة الأولى التى انطلقت منها هذه الوثيقة، ماهى هذه المحطة؟ فقد يكون من أوصلها للسيد قدومى هو أيضا محل ثقة، وفعل ما فعله بحسن نية.
وعلى أية حال، فالإجابات على هذه الأسئلة، حتى وإن كانت لصالح ما أذاعه السيد قدومى فهى لن تشفينى أيضا، لأن ما حدث طعنة للقضية الفلسطينية ، طعنة ستؤدى – ضمن ما ستؤدى إليه- إلى تشويه أمور كانت ناصعة فى أذهان الأجيال الجديدة.
فلنتق الله جميعا، فالتاريخ لن يغفر لنا إذا خنا دماء الشهداء.