عندما تمر دولة من الدول بأزمة، أو تدخل في حرب، أو تعاني من كارثة طبيعية، يتحتم على أبناء هذه الدولة القيام بواجبهم كاملا ودون تقصير، خاصة الموظفين المدنيين الذين يتقاضون رواتب من الدولة، إلى جانب أن الكثير من المؤسسات تمنع إعطاء إجازات لموظفيها في مثل هذه الأحوال حتى لا تضار المصلحة العامة للبلاد؛ لأن الظروف التي تمر بها الدولة في مثل هذه الظروف لا تحتمل التهاون أو التقصير في أداء الواجب، وقد نجد من الناس من يتطوع لأداء مهمة معينة دون أن يكون له علاقة بها من الناحية الوظيفية، كما فعل أبناء البحرين المخلصون الذين تطوعوا لإنقاذ العملية التعلمية في البلاد عندما تقاعس غيرهم من أصحاب الرواتب.
أما من يتعمد التخاذل في أداء الواجب، فهو إنسان يستحق العقاب المغلظ؛ لأنه أجرم في حق وطنه مرتين، بسبب تقصيره في ظروف غير طبيعية، وألحق ضررا بمصالح الناس وبمصلحة البلد بشكل عام.
وقد كشفت الأزمة الأخيرة في البحرين عن مثالين متضادين تماما في مسألة أداء الواجب الوطني أو التقاعس عن أدائه، وحق لنا أن نقول للمحسن أحسنت، ونقول للمسيء قف من أنت.
الأزمة كشفت لنا عن الموقف الوطني العظيم لأبناء شركة “بناغاز” والموقف المتقاعس لبعض العاملين في شركة نفط البحرين “بابكو”، ويجب ألا يمر هذا الموقف مرور الكرام؛ لأنه يتصل بمصالح الناس ويؤثر على سير الحياة اليومية لوطن بأكمله.
لا يجب أبدا أن نساوي بين أبناء البحرين المخلصين في بناغاز ممن واصلوا الليل بالنهار وضحوا براحتهم وبمصالحهم الخاصة حفاظا على سير الحياة وطلبوا عدم إعطائهم أي مقابل مادي لجهودهم، وبين الذين تفرغوا للإضراب والتظاهر وهم مكلفون بمهام مقابل ما يحصلون عليه من رواتب.
نحن لسنا ضد التعبير السلمي عن الرأي، والعاملون في بابكو يحق لهم كغيرهم من الناس التعبير عن رأيهم، ولكن بالشكل الذي لا يضر بالاقتصاد الوطني، فقد كان من الممكن أن ينضموا للمتظاهرين في غير أوقات العمل، لا أن يتحايلوا هم ورؤساؤهم من أجل الإضرار بمصلحة الوطن عن طريق عمل إجازات سنوية للمضربين عن العمل، بالإضافة إلى قيام الشركة بتنفيذ عمليات الصيانة في منشآت الشركة كافّة رغم أن هذه الصيانة غير مدرجة في الوقت الحالي ضمن خطة الشركة؛ لتوفير غطاء قانوني لما يقومون به، وليقطعوا الطريق على جهات التحقيق التي تحاول إثبات التقصير المتعمد لهؤلاء الموظفين الذي يتقاضون رواتب من ميزانية البلاد.
شركة بابكو ليست مؤسسة عادية لكي تسمح إدارتها بالإضراب على النحو الذي جرى، وأعتقد أن ما حدث كان الهدف منه توجيه ضربة قاتلة للاقتصاد الوطني ولم يكن تصرفا عفويا وتلقائيا من الموظفين الصغار، ولولا مباركة المسؤولين الكبار في الشركة لما حدث الإضراب بالشكل الذي رأيناه.
أما رجال “بناغاز” المخلصون، وعلى رأسهم الدكتور الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة، فلهم كل التقدير والاحترام على ما قاموا به.