لماذا تكون ردود أفعال الدول العربية تجاه بعضها أكثر سخونة وسرعة من ردود أفعالها تجاه بقية دول العالم حتى وإن ارتكب العالم جريمة واضحة المعالم ضد هذه الدولة العربية أو تلك، فالدول العربية بمجرد الاشتباه أو الاستناد لتقارير استخباراتية تسارع بتوجيه النقد لبعضها بكل سخونة؟ ألا يبين الموقف الحالي بين العراق وسوريا هذه الفرضية بوضوح؟ وهل يحدث هذا لأن استباحة العرب لبعضهم قد بات مسألة غير مكلفة، وتكون نتيجتها في أسوأ الظروف حملة إعلامية متبادلة تعدد فيها كل دولة عيوب الدولة الأخرى؟
أسئلة كثيرة تتزاحم على عقل الإنسان العربي بسبب الموقف الراهن بين العراق وسوريا، من بين هذه الأسئلة: هل تعجل رئيس الوزراء العراقي في اتهامه لسوريا عقب التفجيرات الأخيرة في بغداد؟
أليست مبالغة أن يقال أن 90 % من الإرهابيين الذي يأتون إلى العراق يدخلون عن طريق سوريا؟ وما هذه القدرة العجيبة لأجهزة الأمن العراقية كي تحدد بهذه السرعة أن الضالعين في التفجيرات هم من أعضاء حزب البعث المقيمين في سوريا؟ وما مصلحة سوريا حالياً في السعي لإفساد علاقتها بالعراق؟
وهل من المنطقي أن يقدم هؤلاء الذين اتهمتهم السلطات العراقية على هذه الفعلة من دون علم السلطات العراقية؟ وهل هو منطقي أيضاً أن يفعلوا هذا بعلم السلطات السورية التي يبين سياق الأحداث الماضية أنها لا تريد ضرب الأمن في العراق؟
الأسئلة كثيرة حقاً فكلما يفرغ الإنسان من طرح سؤال يتلبسه سؤال آخر أكثر إلحاحاً وضراوة: فلماذا مثلاً بدت الجهود الإيرانية باهتة وماتت من قبل أن تبدأ؟ وهل هناك حلقة مفقودة في الموضوع ستظهرها الأيام المقبلة؟ ولماذا تتفوق أجهزة الأمن العراقية في الكشف عن مخططات البعثيين المقيمين في سوريا وتعلن هذه المخططات بمنتهى السرعة، وهي التي لم تعلن من قبل مسؤولية دول أخرى ضالعة في خراب العراق في عشرات العمليات؟
قد يبدو من طرح الأسئلة السابقة أنني أدافع عن سوريا، ولكن هذا غير صحيح، فلا أحد يستطيع أن يبرر استباحة دماء العراقيين تحت أي ظرف من الظروف، ولكن الذي دفع إلى طرح هذه الأسئلة هو التعجل في إصدار الأحكام من قبل السلطات العراقية في الوقت الذي يسعى فيه العرب للعراق وتسعى فيه العراق للعرب، اللهم إلا إذا كان هناك طرف مختف يريد أن تكون الأمور على هذه الصورة بين سوريا والعراق؟
ألم يكن في وسع السلطات العراقية أن تقدم أدلتها إلى سوريا في صمت – إن وجدت هذه الأدلة – بعيداً عن التصعيد الإعلامي، خصوصا وأن أجهزة الأمن العراقية تتحمل المسؤولية الأولى عن الأحداث الأخيرة، وهي مسؤولية أكدها وزير الخارجية العراقي في تصريحات علنية؟
العجيب في القصة كلها أنه لأول مرة يتحدث مسؤول عراقي بحرارة عن ضرورة إجراء محاكمة دولية للمشتبه بهم (المقيمين في سوريا) رغم أن العراق على مدى 6 سنوات ارتكبت فيه كل جرائم الحرب التي تفتقت عنها عقول مجرمي الحرب القادمين من الغرب والقادمين من الشرق، ولم نسمع عن رغبة الحكومة العراقية في محاكمة أحد!!