يبدو أن الكتاب العرب لم يتعاملوا بعد مع الأزمة السودانية الحالية بالقدر الذي تستحقه، ويبدو أنني كنت وحدي من بين أهل الخليج عندما كتبت في عمودي السابق رسالة للرئيس عمر البشير أدعوه فيها إلى أن يكون مختلفا عن سابقيه من حكام الدول التي أصابها الخراب الذي أسموه الربيع العربي.
لقد نتجت عن رسالتي هذه التي أرسلتها بكل إخلاص ضجة كبيرة لدى الكثير من الإخوة السودانيين فاستفردوا بي وحدي واعتبرني بعضهم غير متبحرة في الشأن السوداني وأن مطالبتي للرئيس البشير بأن يضرب مثلا مختلفا عن سابقيه من الحكام ليحافظ على السودان، مسألة لا جدوى منها لأنني حسب قولهم أخاطب شياطين وليس بشرا.
وأنا أقول للإخوة السودانيين: إنني أحترمكم جميعا وأعرف جيدا أن الشعب السوداني من أكثر الشعوب العربية ثقافة وفهما، خاصة الأخ توفيق صديق عمر الذي تولى مسألة الرد على ما كتبته في جريدة الراكوبة الالكترونية السودانية، وأقول إننا نعرف جيدا أنكم تحترقون بأسعار المحروقات وبغيرها من الأسعار ونعرف أن لدى السودانيين كما كان لدى غيرهم من الشعوب العربية الفقيرة أسبابا منطقية للثورة وللمطالبة برحيل النظام، ونحن لا ننكر عليكم حقكم هذا، ونحن لسنا أوصياء على أحد، خاصة الشعب السوداني، الذي يتمتع بقدر كبير من الثقافة والوعي، ولكننا قلقون على مصير السودان نفسه، وعندما قلت إن المؤامرة كانت حاضرة في كل الاحتجاجات التي حدثت في الدول العربية فأنا أقصد أن المؤامرة موجودة في إدارة هذه الاحتجاجات وجعلها تصل إلى نتيجة يريدها أعداء الأمة.
أنتم تريدون رحيل البشير، فهذا شأنكم، وهذا حقكم، ولكن لا تديروا الأمور بطريقة تؤدي إلى رحيل السودان كله مع البشير، فالسلاح إذا استخدم والدماء إذا سالت، فلن تتوقف وسوف يدخل السودان في نفق لا خروج منه.
وعندما دعوت الرئيس البشير ليكون مختلفا عن بشار الأسد والقذافي فقد فعلت ذلك معه لأنه مواطن سوداني مثلكم ويجب أن يحافظ على السودان من أعدائه وأعداء الأمة العربية المتربصين لها، ولم يكن في كلامي تأييد من أي نوع للرئيس البشير ونظامه ولم أدعوه إلى قتل السودانيين ولكني دعوته لشيء آخر كنت أتمنى أن يكون مفهوما للإخوة الثائرين!.
هل كنتم تريدون مني، ككاتبة عربية، أن أدعو الشعب السوداني إلى العنف وإلى تدمير الجيش السوداني وتفكيكه كما حدث للجيش الليبي، أم أدعو من بيده الأمر لينقذ مصير هذا البلد العربي؟ رغم أن بعض الذين علقوا بغضب على عمودي أظهروا تنكرا وكرها للعروبة ولليوم الأسود الذي تسبب فيه جمال عبدالناصر في انضمام السودان إلى الجامعة العربية!.
ستقولون كما قال غيركم إن مصير السودان بيد أبنائه وهم الذين سيقررون هذا المصير، وهذا حقكم، ولكني مصرة على أن الرئيس عمر البشير يمكنه أن يصنع الأفضل للسودان – الأرض والبشر-، وإذا لم يفعل، وإذا لم تتوقف الاحتجاجات الحالية، سوف لن تكون هناك محروقات ولا خبز ولا أمن، وسوف ألتقيكم بعد عام أو أعوام لأقول لكم: هل صدقتموني؟.