رعب العطش في مصر

رعب العطش في مصر

في ظل الزيادة السكانية الرهيبة في مصر، والتي بلغت حوالي المئة مليون نسمة، تتزايد حاجتها إلى الماء من اجل الشرب والتوسع في المشروعات الزراعية لكي تستطيع الدولة أن تفي بجزء من الغذاء لهذا الشعب.
ولكن المشكلة في مصر أن حصتها المقررة من مياه نهر النيل وفق الاتفاقيات الدولية بينها وبين دول حوض النيل تتناقص عاما بعد عام بشكل يهدد مستقبل الأجيال القادمة من أبنائها.
تلك هي المشكلة المعروفة التي حاولت مصر التعامل معها خلال السنوات الماضية بوسائل مختلفة باستخدام وسائل حديثة في الري وتوعية المواطنين بأهمية المياه والمحافظة عليها وترشيد استهلاكها.
ولكن خلال الأسبوع الماضي طرأت أمور اخرى جعلت القلق يزداد حول مستقبل الموارد المائية في مصر،حيث أقدمت إثيوبيا بعد يوم واحد تقريبا من زيارة الرئيس محمد مرسي لها، على البدء في إجراءات بناء سد على نهر النيل الذي هو شريان الحياة لمصر وهو السد الذي أطلقت عليه سد النهضة، متعللة برغبتها في توليد الكهرباء اللازمة لعمل نهضة إثيوبية.
ويبدو أن إثيوبيا تستغل الظروف السياسية التي تمر بها مصر حاليا في الإسراع بمشروعها الذي يقلق المصريين بكافة مشاربهم ابتداء من الرجل البسيط وحتى النخبة.
فالجميع يتحدث عن مخاطر هذا السد على حصة مصر من المياه، بموضوعية أحيانا، وبمبالغة أحيانا أخرى،والخوف يملأ عقول وقلوب أهل مصر، خاصة الفلاحين أصحاب الأراضي الذين يعانون أصلا من نقص المياه وينتظرون ما هو أسوأ بعد إتمام هذا السد الاثيوبي، وليس البسطاء وحدهم هم الذين ينادون باستخدام القوة العسكرية لمنع اتمام هذا السد، ولكننا نجد على الشاشات من المتعلمين والمثقفين من يقول بذلك أيضا،على اعتبار أن النيل هو قضية القضايا في مصر وأن الحرب من أجله هي حرب وجود بالنسبة للمصريين.
بعض التنظيمات الاسلامية، خاصة الجماعة الاسلامية، قالت إنها ستعلن الجهاد ضد اثيوبيا لمنع بناء السد،وقالت إن “الموت أمام سد النهضة الإثيوبي أهون ألف مرة من الموت عطشا في مصر”.
أما جماعة الإخوان المسلمين التي طالما تحدثت عن فساد النظام السابق وتفريطه في الأمن القومي المصري،فهي في حرج الآن لأنها موجودة في الحكم الآن ومسؤولة عن ما هو آت للأمن القومي المصري، حتى وإن كان ما يجري الآن من نتائج السياسات الخاطئة للنظام السابق.
عدد كبير، وربما العدد الأكبر من المصريين يعتبرون المسألة مؤامرة حاكتها دول معينة، من بينها إسرائيل بطبيعة الحال، وإيطاليا، الدولة التي تمول المشروع، وغيرهما من الدول.
ومع تقديم كل الاحترام لأصحاب القرار في مصر، فهم الذين يقيمون مسألة التدخل العسكري وجدواها وإمكانيات الجيش المصري والتوازنات الدولية المختلفة، فقرار الحرب من أجل النيل – رغم خطورة القضية وأهميتها – هو قرار مقلق للغاية وقد يجعل الأمور تسير في طريق أشد خطرا، ولكنني أعتقد في الوقت نفسه أن مصر يمكنها، بتعاون أشقائها العربيات من ممارسة ضغوط معينة على المستوى الدولي لتحقيق مكاسب كبيرة في هذا الملف الخطير الذي لا ينفع معه السكوت.
قضية النيل في مصر، هي أخطر القضايا، وبدون النيل لا تكون مصر، ولابد أن تسقط كل الخلافات بين المصريين وبعضهم البعض، وبين النظام الحاكم في مصر حاليا وبين الحكام العرب، خاصة في الخليج العربي، حتى يمكن ممارسة ضغوط مثمرة في هذا المجال.