كلما ذهبت الكاتبة (س. م) إلى القاهرة تحدثت عنها وعن مصر والمصريين وكأنها كانت في رحلة بحثية إلى المريخ، تقول بعدها ما تشاء لأن أحدا لم يذهب من قبل إلى المريخ، وبالتالي كل ما يقال اكتشاف جديد يجب أن نرفع له القبعات.
كلما ذهبت إلى هناك كتبت عن الزحام الشديد وكأنه اكتشاف تاريخي لم يعرفه أحد من قبل، وكأنه من المفروض أن تقوم الحكومة المصرية بإخلاء الشوارع ونقل المصالح الحكومية، وخاصة الجهة التي تقصدها كاتبتنا، إلى شرم الشيخ أو بورتو مارينا حتى تستطيع أن تحقق هدفها من الزيارة وسط أجواء من المتعة.
كاتبتنا بدأت مقالها حول مصر كلها إلى خرابة وحول شعبها إلى جماعات من الجياع، بسؤال: أين القاهرة التي كنت أعرفها؟ وكأنها لم تكن هناك منذ عام وكتبت نفس الكلام الذي كتبته هذه المرة.
لا يوجد شيء في مصر غير مشوه من وجهة نظر كاتبتنا ولا أدري لماذا تزعج نفسها بالذهاب إلى هناك كل عام طالما أنها تعود بكل هذه الكآبة وبكل هذا الحزن على المصريين الذين تحولوا كلهم إلى معدمين؟ إلا إذا كانت تذهب إلى هناك خصيصا لتوفر لنفسها مادة للكتابة.
من العجيب جدا أن يحول الكاتب نفسه، في مقال واحد، إلى كائن أسطوري يشخص جميع المشاكل في دولة لا يعيش فيها، ابتداء من الزحام والتلوث، ومرورا بضعف مرتبات الأطباء وجميع الموظفين وسوء حالة المواصلات العامة وأسعارها الغالية جدا، التي تبلغ مئة فلس (أو جنيه ونصف بالعملة المصرية) ووصولا إلى زوال الطبقة المتوسطة وتحول غالبية المصريين إلى فقراء، ووضع خطة عشرينية للنهوض بأوضاع مصر ودعم الاستثمار.
في بعض ما كتبت، تحولت الكاتبة إلى مدافع عن حقوق الفقراء وضياع ثروات مصر الكبيرة لدرجة تجعل القارئ يحس انها سترشح نفسها في انتخابات البرلمان المصري في حي شبرا الخيمة، فقالت: “فأين يذهب دخل مصر الاقتصادي؟ لماذا لا تضع الحكومة خططا إسكانية واقتصادية واجتماعية وتعليمية للنهوض بهذا الشعب الطيب المسالم المرحب بضيوفه بروحه البشوشة”.
لكن العجيب أن هذا الشعب الطيب المسالم المرحب بضيوفه بروح بشوشة – حسب وصف كاتبتنا – تحول بقدرة قادر في الفقرة التالية من المقال إلى شعب متدهور الأخلاق والسلوك، حيث قالت الكاتبة: إن ما يؤلمني حقاً كعربية تزور مصر كثيراً لحبي لها، أن أرى تدهور السلوك الأخلاقي اليومي للمواطنين بشكل عام… وكأنهم يعيشون في حالة فوضى نفسية وأخلاقية”.
كيف يكتشف الإنسان من خلال رحلة واحدة، وهو جالس في سيارة تاكسي لا تكاد تتحرك في وسط الزحام، كل هذه الصفات في شعب واحد، فهو شعب طيب ومسالم وبشوش ومرحب بضيوفه، وهو في نفس الوقت شعب متدهور السلوك والأخلاق؟!
لقد برهنت كاتبتنا على الانهيار الأخلاقي للمصريين – الذين هم في نفس الوقت مسالمين وبشوشين وطيبين – بحادثة حكاها لها أحد المحترمين، وهي أن مجموعة من الشباب قاموا بضرب سائق سيارة “ميكروباص” لأنهم اعتقدوا أنه “دعم” سيارتهم من الخلف!! وكأنها لا تعرف أن مروة الشربيني تم ذبحها داخل محكمة ألمانية!!وكأنها لم تسمع عن شيكاغو ولم تسمع عن العنف ضد العرب والمسلمين في أعرق الدول الديمقراطية.
إننا ككتاب بحرينيين نتضايق ونثور عندما تستند بعض الجهات الدولية المشبوهة إلى أحاديث المأزومين والخارجين عن القانون في محاولات للإساءة لمملكتنا، وفي نفس الوقت نبرر لأنفسنا تحويل أحاديث سائقي التاكسي في شوارع القاهرة المزدحمة إلى مراجع علمية نستند إليها في كتاباتنا، ونحول ضيقنا بالزحام إلى قصيدة هجاء طويلة نكتبها وننشرها بعد عودتنا من هناك.