القرار الذي اتخذه عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بإنشاء ديوان الرقابة الإدارية ودمجه مع ديوان الرقابة المالية، يبين مدى استجابة جلالته لما يريده أبناء البحرين ويحلمون به، خاصة أن الإصلاح المالي والإداري من أهم ما يجب القيام به للحفاظ على مكتسبات البحرين التي تحققت منذ تدشين المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، إلى جانب إعطاء إشارة مهمة للجميع ولمن تسول له نفسه العبث بالمال العام بأنه ليس بعيدا عن أعين الرقابة وأنه محاسب حتما على كل كبيرة وصغيرة.
ولاقى هذا القرار الملكي السامي تأييدا جارفا من السادة النواب ومن أبناء الشعب البحريني لأن الفساد المالي والإداري مرتبط دائما ببعضه، والفساد المالي هو في الأساس نتيجة للفساد الإداري، وبالتالي فإن الدمج بين الجهازين اللذين سيواجهان هذا الفساد عند وقوعه، كان أمرا حتميا، حتى لا يحدث أي خلل في عمل أي منهما.
الفساد الإداري هو إساءة استخدام السلطة أو الوظيفة التي أعطتها الدولة للموظف، ويكون ذلك في صورة تزوير في أوراق رسمية، ومحاباة المحاسيب، أو تعيين الأقارب في وظائف لا تتناسب مع مؤهلاتهم ومهاراتهم، والحصول على مميزات غير مستحقة نتيجة لقوة الوظيفة العامة التي يتمتع بها الشخص.
والفساد الإداري حتما يكون له علاقة وطيدة بالفساد المالي، حيث انتشار الأول يؤدي إلى انتشار الثاني،ويؤدي الاثنان معا إلى الإضرار باقتصاديات الدول وتعطيل خطط التنمية وإلحاق الضرر بالفئات الضعيفة في المجتمع التي لا تستطيع دفع الرشوة أو الحصول على خدمات يستطيع محاسيب الموظف الحصول عليها.
ولم تعد مسألة متابعة الفاسدين وضبطهم مسألة سهلة، لأن من يمارسون الفساد يكون لديهم من المهارة والخبرة ما يمكنهم من تزييف الأشياء وتضليل أجهزة الرقابة.
ولذلك اتجهت الكثير من دول العالم إلى تحديث آليات الرقابة الإدارية والمالية نظرا لطبيعة الحقبة التي نعيش فيها حاليا، حيث ان الانخراط في العولمة – رغم ما فيه من مزايا ورغم أنه ليس اختيارا لأحد – أدى إلى خلق تحديات كبيرة على المجتمع الدولي تتمثل في استخدام تكنولوجيا متقدمة في ممارسة الفساد، حيث ان عولمة الاتصالات الإلكترونية سهلت إنجاز الأعمال غير المشروعة، مثل إمكانية اختراق الأسواق المالية وإحداث مشكلات خطيرة للبنوك والشركات.
ومن هنا تأتي أهمية الرؤية العصرية المتقدمة لجلالة الملك وحرصه على وجود هيئة تستطيع القضاء على الفساد المالي والإداري حفاظا على مكاسب الشعب البحريني، وضمانا لاستمرار مسيرة التقدم التي بدأها جلالته.
وإذا كان الفساد المالي والإداري من أخطر معاول الهدم التي تداعت بسببها دول وامبراطوريات، فما بالنا بالبحرين التي لا تزال في منتصف الطريق نحو التقدم ولا تزال تبحث عن مستقبل مشرق وتريد تحقيق التنمية المستدامة عن طريق إنجاز المشروع الإصلاحي لجلالة الملك؟
وفي الوقت نفسه فإن إنشاء ديوان للرقابة المالية والإدارية ومنحه المتطلبات العصرية والصلاحيات التي تعينه على أداء مهمته، لا يعني أن البحرين تعاني من فساد مالي أو إداري كبير، ولكن يعني أن البحرين لن تنتظر البلاء حتى يقع، لأن مشروعها الإصلاحي لا يتحمل أي نكوص أو ارتداد.