في نفس اللحظة التي قامت فيها وسائل الإعلام بتسويق صورة رئيس الوزراء المصري وهو يقبل طفلا فلسطينيا شهيدا في قطاع غزة، كانت هناك صورة أخرى أشد إيلاما، وهي صورة لخمسين طفلا مصريا سقطوا في ضربة واحدة ضحية الإهمال والفساد في محافظة أسيوط في صعيد مصر.
حادثة القطار التي وقعت في محافظة أسيوط المصرية وتناقلتها وسائل الإعلام يوم السبت الماضي تعد من أبشع الحوادث التي رأيتها في حياتي، خمسون طفلا ذبحوا ذبحا في السابعة صباحا وهم في طريقهم إلى المدرسة، عندما اصطدم الباص الذي كان يقلهم بقطار قادم من مدينة القاهرة، ليحول جثثهم إلى أِشلاء تختلط بكتبهم ودفاترهم وسط صدمة مروعة للأهالي الذين شهدوا الحادث.
وسائل الإعلام نقلت مشاهد تتقطع لها نياط القلوب لأسر فقدت أربعة أبناء مرة واحدة وأخرى فقدت ثلاث في مشهد يعد «جورنيكا» جديدة، مع الفرق في شيء واحد وهو المسؤول عن صنع كل هذه البشاعة، فالفاعل ليس الجنرال فرانكو وليس العدو الصهيوني ولكنه الإهمال، فهل هذا مقبول ونحن في عام 2012 وعقب ثورة قامت للقضاء على الإهمال والفساد؟
لقد قارنت بين المشهد في غزة الفلسطينية وبين المشهد في أسيوط المصرية، فوجدت المشهد الأخير أشد إيلاما وبشاعة، ففي الوقت الذي كان رئيس الوزراء المصري هشام قنديل يقبل طفلا فلسطينيا شهيدا قتلته الغارات الصهيونية الغادرة خلال زيارته لغزة، كان إهمال حكومته قد بعثر أشلاء ودماء خمسين طفلا بريئا على قضبان سكة الحديد في أسيوط!
الإهمال إذا، أشد خطرا من العدو الصهيوني نفسه؟ والمشهد يصرخ في وجه رئيس الوزراء المصري ويقول له: «عد فإن لديك في بلدك معارك مع عدو أخطر من العدو الصهيوني!
أين الشعارات والوعود التي قطعها الإخوان المسلمون على أنفسهم لإصلاح أحوال مصر؟ هل استقالة وزير واحد تكفي لإطفاء غضب الملايين وغسيل أحزان الأسر التي فقدت أحلامها ومستقبلها في لحظة واحدة؟ إن استقالة حكومة بأكملها لا تكفي لذلك.
وهل تعجز حكومة أتت بها ثورة عن إدارة وسيلة النقل التي يعتمد عليها الملايين من فقراء مصر في الذهاب إلى أعمالهم وجامعاتهم ومدارسهم؟ وهل تعجز حكومة أتت بمخزون من الشعارات عمره يزيد على النصف قرن أن تقيم إشارة مرور أو تضع رجل مرور عند التقاطع الذي اصطدم عنده هذا الباص مع القطار؟ ولكن السؤال الأهم هو: هل تستطيع حكومة عجزت عن إدارة السكة الحديد أن تدير مصر بكل تناقضاتها وصراعاتها؟
حوادث القطارات في مصر شيء غريب حقا، وليس له مثيل في أي مكان في العالم، فالمعروف أن القطارات لها طرق خاصة ولها نظم في الحركة يستحيل معها وقوع مثل هذه الحوادث البشعة التي تدل على مدى التخلف الذي وصل إليه العنصر البشري المسؤول عن إدارة مثل هذا المرفق الذي ينقل عشرات الآلاف من الركاب بين محافظات مصر يوميا وينتج دخلا يكفي إن أحسن استخدامه لتحقيق مستوى الأمن والسلامة اللازمين لمثل هذه الوسيلة المهمة، فلماذا كل هذه الحوادث؟.