عندما يأتي شهر أغسطس كل عام نتذكر أسوأ حدث عاشته الأمة العربية في تاريخها الحديث وربما في تاريخها كله. هو اليوم الذي تلاشت فيه الكثير من القيم، واهتزت فيه الكثير من القناعات وتعرضت نفوس جيل كامل من الكويتيين إلى جرح يصعب أن يندمل مهما تغيرت الظروف.
وليس من حق أحد أن يلومهم على ذلك؛ لأن الصدمة كانت كبيرة، خاصة وأن الكويت طالما أعطت للقضايا العربية المختلفة وبخاصة القضية الفلسطينية، وبالتالي كانت تلك الصدمة وكان تأثيرها.
هذا الجيل الذي نشأ على الإيمان بالعروبة والعطاء من أجلها، قام من النوم ليجد جيشا عربيا ينادي قادته بالعروبة قد سرق وطنه.
الشاعرة العظيمة الدكتورة سعاد الصباح التي طالما تغنت بالعروبة ودافعت عنها، وتمنت يوما ما أن تكون نخلة عراقية، تعرضت لصدمة يعجز عن تحملها أي إنسان، بعد أن وجدت الداعين إلى العروبة ورافعي شعاراتها هم الذين أتوا ليحتلوا بيتها. يا لها من صدمة لشاعرة قالت في قصيدتها: “قصيدة حب إلى سيف عراقي”:
أنا امرأة قررت .. أن تحب العراق
وأن تتزوج منه أمام عيون القبيلة
فمنذ الطفولة كنت أكحل عيني بليل العراق،
وكنت أحني يدي بطين العراق
وأترك شعري طويلا ليشبه نخل العراق..
يوم دخول الجيش العراقي إلى الكويت كان أسوأ يوم في تاريخ العرب، فبعد هذا اليوم أصبح مصطلح الأمن القومي العربي كلمة بلا معنى، ولم يعد هناك أمن قومي عربي، فقد أتت الجيوش الغربية إلى المنطقة وبدأت سلسلة من الانهيارات والتنازلات العربية المتسارعة.
لم تكن كلفة احتلال الكويت فادحة فقط على الشعبين العراقي والكويتي، ولم تكن قاصرة فقط على تدمير البنية الأساسية في البلدين وإنفاق ملايين الدولارات من أجل إعادتها إلى ما كانت عليه قبل الحرب، ولكنها طالت كل شيء، وطالت كل العرب وليس العراقيين والكويتيين وحدهم. فَقَدْ فَقَدَ ملايين العرب وظائفهم في العراق والكويت.
منذ ذلك اليوم المشؤوم، لم يذق الشعب العراقي العظيم طعم السعادة، فبعد خروج الجيش العراقي من الكويت بدأت السنين العجاف التي عاشها الشعب العراقي تحت وطأة الحصار الخانق حتى عام 2003 لتأتي على إخواننا أيام أشد سوادا، حيث الحرب والدمار وسقوط الملايين وتشريد الأبرياء.
تأثرت كل القضايا العربية الحساسة سلبا بما جرى في ذلك اليوم المشؤوم، فلا يمكن أبدا الفصل بين التقهقر الذي تعرضت له القضية الفلسطينية وبين حال التفكك العربي التي نتجت عن دخول القوات العراقية للكويت، ولا يمكن لأحد أن يفصل بين احتلال العراق للكويت واحتلال العراق نفسه فيما بعد.
دفعت الاقتصادات العربية ثمنا باهظا بسبب تكلفة هذه الحرب وما تلاها من أحداث، فقد تكبدت بلاد النفط ملايين الدولارات ثمنا لهذه المغامرة التي لا يستطيع أحد أن يدافع عنها، ملايين من العرب فقدوا وظائفهم في العراق والكويت وعادوا إلى بلادهم ليشكلوا عبئا اقتصاديا جديدا على هذه البلاد.
لكن ما يجب أن نذكر به دوما في ذكرى هذا اليوم العصيب هو أن ما حدث كان قرارا لشخص واحد، وكان مغامرة لا يمكن لأحد أن يدافع عنها أو يبررها تحت أي ظروف، ولابد أن نذكر إخواننا الكويتيين أن الأمة كلها – ولستم وحدكم – قد دفعت ثمنا باهظا لهذه المغامرة، وأن الشعب العراقي الشقيق قد دفع ثمنا باهظا لهذا القرار الخاطىء.