الولاء للوطن وعمق الانتماء له شأن عجيب ومختلف لدى الشعب المصري. فقد يكون المصري فقيرا معدما أو مظلوما من هذا المسؤول أو ذاك ولم يحصل على حقه، ولكن عندما يتعلق الأمر ببلده ووطنيته فهو حساس جدا تتغير ملامح وجهه إذا أساء شخص لبلده، حتى وإن كان كل ما يربطه ببلده هذا كوخ حقير. تجدهم ينتقدون حكومتهم وينتقدون أكبر مسؤول في بلدهم في الصحف وفي غير الصحف، ولكن عندما يتعلق الأمر بالخارج تختلف المسألة تماما، فالاستعانة بالخارج على الداخل لديهم هي الخيانة بعينها، حتى وإن كان من يفعلها مقهورا داخل بلده، ذلك لأن الوطنية شيء مقدس لا يرتبط بالمظالم الشخصية للمواطن!
وربما كان عمق الانتماء هذا أحد أهم أسباب بقاء مصر كما هي لم تتفتت أو تنقسم أو تتغير منذ آلاف السنين، وقد رحل جميع الذين احتلوها وحكموها من دون أن يغيروا فيها شيئا، لا ثقافتها ولا لغتها، وكانت بمثابة بوتقة صهر لكل الثقافات، ولم يغيرها إلا الفتح الإسلامي.
عندما تمكن المنتخب القومي المصري لكرة القدم من قهر جميع المنتخبات الأفريقية المتأهلة لكأس العالم، خرجت مصر من الإسكندرية حتى أسوان تحمل الأعلام المصرية، أمواج من البشر تهتف، فقراء وأغنياء، بينهم عاطلون، وبينهم من حرم نفسه من الساندويتش لكي يشتري بثمنه علما. ارتباط مبهر بالعلم وعشق للنصر ليس له مثيل.
على رغم الفقر والبطالة إلا أن بلدهم في قلوبهم، فالوطنية لا ترتبط بما يحصل عليه الفرد من بلده، ولكنها سر عجيب، والذي يفتقد للوطنية لن تصنعها لديه ثلاث وجبات دسمة.
أما على مستوى اللاعبين، فالوطنية يضاف إليها الإحساس بالمسؤولية، فهم المسؤولون عن صنع الفرحة لهذا الشعب الكبير. فمصر – على رغم أنها لا تمتلك لاعبين دوليين مثل الكاميرون أو الجزائر أو غانا أو نيجيريا- إلا أنها هزمتهم الأربعة باقتدار.
السر إذن في المارد الذي يسكن داخل كل لاعب وهو ما يسمى “بالروح المصرية”التي قد لا يعرفها كثيرون والتي هي طاقة جبارة تحول أبناء هذا الشعب إلى جحافل لا تغلب. ولهذا بدا اللاعبون المصريون برئاسة المدرب الوطني حسن شحاتة وكأنهم يقبلون الموت ولا يقبلون الهزيمة.
قد يقول قائل إنها لعبة لا أكثر ولا أقل، أو إنها مجرد كيس من البلاستيك مملوء بالهواء، ولكن الكلام هنا هو عن ذلك الولاء الجبار للوطن والترابط بين أبناء هذا الوطن والارتباط الشديد بالعلم الوطني، ونسيان الهموم الخاصة والمظالم واقتسام الفرحة والانكسار مع أبناء الوطن، وهو ما يؤكد أن المصريين لا يزالون شعبا من ذهب، وأنهم يستطيعون القيام من كل كبوة.