حول لحظة سقوط القذافي

حول لحظة سقوط القذافي

صحيح أن القذافي كان ديكتاتورا،وأن الثورة عليه كانت مسألة حتمية،بعد ان حكم ليبيا أكثر من أربعين عاما أخر فيها ليبيا عن ركب التقدم رغم ما فيها من خيرات.
 وصحيح أن القذافي ارتكب جريمة عندما وضع جيشه في مواجهة مع شعبه وتسبب في مقتل أعداد كبيرة من أبناء الشعب الليبي.
 وصحيح أن القذافي كان شخصا غريبا يحب أن يخالف كل شيء ويخترع نظريات وأحكام غريبة.
 وصحيح أن القذافي أساء إلى إلى نظرائه العرب وتآمر عليهم وهددهم بالقتل ، و صحيح أن القذافي بدأ ثائرا وانتهى قاتلا لأبناء شعبه ، وبدأ عروبيا قوميا وانتهي أفريقيا ،واستحق أن يكون مكانه في مزبلة التاريخ.
 ولكن كل هذا لا يبرر الطريقة التي تعامل بها الليبيون مع القذافي لحظة سقوطه،فليس من التحضر في شيء أن يتم التمثيل بجثة الميت وعرضها على الشاشات بهذا الشكل الذي عرضت به.
 الشيء الصحيح هو القبض على القذافي وحبسه ومحاكمته محاكمة عادلة،ولكن إطلاق النار عليه وهو مصاب ثم تركه ينزف حتى الموت،ثم تصويره بهذا الشكل المهين ووضع جثته في مسجد،فهذا شيء يسيء إلى العرب وإلى أخلاق العرب،ويسيء إلى الاسلام والمسلمين،وإن دل هذا على شيء فإنه يدل على أن القذافي كان من نفس قماشة قاتليه ويدل على أن بقاءه في الحكم أكثر من أربعين عاما شيء يسأل عنه الليبيون أنفسهم،وأنه لولا مجيء حلف الأطلنطي لظلت ليبيا في صراع داخلي لوقت طويل.
 كان الأفضل أن يظهر ثوار ليبيا أمام العالم بشكل أكثر تحضرا،وأن يقوموا بمحاكمة رئيسهم محاكمة عادلة،لأن فرحة اللحظة التي سقط فيها القذافي لن تدوم طويلا وبعد حين يتم فتح جميع الملفات ويكتب التاريخ.
 ولنتذكر عندما قامت قوات الاحتلال الإيطالي بالقبض على المجاهد العظيم عمر المختار،الذي حير الايطاليين لسنوات وكبدهم خسائر في الأرواح وفي العتاد وجعل احتلالهم لبلاده يكلف ثمنا باهظا،وكان بإمكان القوات الايطالية قتله في الميدان،ولكنها لم تفعل ذلك وقامت بالقبض عليه بعد أن أعلن استسلامه،وعقدت له محاكمة من أجل التاريخ،رغم أنها كانت محاكمة صورية،إلا أن الشعوب المتحضرة تحترم قيمة الانسان.
 نحن لا نستطيع ولا يستطيع غيرنا أن يساوي بين القذافي وبين عمر المختار،فالفرق بينهما كالفرق بين الكفر والايمان،ولكننا نريد أن نقول أن الانسان مهما كان عمله،ومهما كانت خطاياه يجب أن ينال محاكمة عادلة،وأن جثة الميت لا يجوز إهانتها والتمثيل بها وتصويرها وعرضها على النحو الذي جرى،وهذا شيء يستوي فيه من سمح بالتصوير مع من سمح بعرض الجثة على الشاشات.
 ولا يجب أن ننسى أن التعامل مع جثة القذافي بهذه الطريقة أمر يسيء للعرب في الخارج ولا يسيء للقذافي وحده ويساعد في ترسيخ الصورة الذهنية السيئة عنهم.