من يزرع الحب يحصد الحب ويمتلك قلوب الناس، ومن يزرع الشوك لا يجني إلا الجراح، هذا ما قلته لنفسي وأنا أحضر حفل تدشين كتاب الدكتور فؤاد شهاب “ابنتي حبيبتي سميتها مريم” في قاعة الخريجين، ذلك الكتاب الرائع المؤثر الذي يتضمن قصة إنسانية ودروسا وعبرا حول نبل الإنسان وصموده وقدرته على قهر المستحيل وكسر المفاهيم التي استقرت وتناقلها الناس من جيل إلى جيل.
كنت وأنا في هذا الحفل أعيش لحظات انبهار نادرة وأغرق في مشاعر لا حصر لها، لدرجة أنني لم أستطع أن أحدد بالضبط سبب انبهاري، فهل أنا منبهرة بكتاب “ابنتي حبيبتي سميتها مريم” وما تضمنه من قصة كفاح الأب العظيم في الأخذ بيد ابنته لتقهر المستحيل ولتقول للعالم: إذا كان هناك من قهر الظلام وتعلم وتفوق رغم أنه حرم من نعمة البصر، فأنا أقهر ما هو أصعب وأقسى من الظلام، فقد استطعت أن أكسر العزلة وأهدم السور العالي الذي يفصل بين من فقد نعمة السمع وبين العالم وما يصدر عنه من أصوات ولغات؟ أم أنني منبهرة بذكاء الابنة التي أصبحت درسا وعظة وأسطورة ستعرفها الأجيال القادمة؟ أم أنني منبهرة بحالة الحب والعرفان التي حملها الحاضرون لشخص الدكتور شهاب؟
كانت بلا شك لحظات نادرة تجعل من عاشها يشعر أنه انتقل من عالم إلى آخر، فاللحظات التي ترتقي فيها المشاعر وتعود النفس البشرية إلى فطرتها ولت في زمن الماديات والصراع والخطف والإرهاب والقتل وخراب الذمم، ومع ذلك استطاع الدكتور شهاب أن ينقلنا مؤقتا إلى عالم جميل مفعم بالانسانية والعطاء، من خلال استعراض كتابه الجديد وقصته مع ابنته التي قهرت المستحيل واستطاعت ان تتفوق في تعليمها رغم أنها ولدت محرومة من نعمة السمع بفضل ما يتمتع به الأب من صفات قلما توجد في آباء هذا الزمن.
إن مجرد ولادة طفلة صماء في الأسرة يمكن أن يصيب الأب والأم بحالة اكتئاب وعدم إقبال على الحياة،ولكن هذا لم يحدث مع الدكتور شهاب الرجل الذي يوزع الابتسامة والحب والدفء على كل من يلتقيه.
وهذا هو التفسير لهذا الحضور الطاغي الذي ملأ القاعة لأول مرة، حيث جاء الجميع بحب وإخلاص ليقول للدكتور شهاب إن الحب الذي تمنحه لغيرك من الناس لابد أن يثمر ومن يزرع الحب ليس كمن يزرع الشوك، ومن يزرع الحب لابد ان يحصد الحب والعرفان ومن يزرع الشوك لا يجني إلا الجراح.