قبل عام أو يزيد تم جلد صحافية سودانية بسبب ارتكابها فعلا فاضحا تحرمه السودان، وكان هذا الفعل الفاضح تفصيلا هو أن هذه الصحافية قد تجرأت على قواعد الحشمة وانتهكت القواعد المرعية فيما يتعلق بأزياء النساء وقامت، دون خجل، بارتداء “البنطلون”، وهو ما أدى إلى حالة غضب عارمة، خصوصا بين الكيزان وأصحاب العقد النفسية!
وقبل أيام تم منع طالبة جزائرية من دخول الامتحان بسبب ارتدائها تنورة قصيرة “ميني”، على حسب ما ورد في شلالات الأخبار والتعليقات التي تناولت هذه الحادثة الخطيرة.
ونحن في هذه العجالة لا ننتقد ولا نؤيد ما حدث في موقعة البنطال ولا غزوة التنورة، فكل دولة لها قوانينها وثقافتها وتقاليدها ورؤيتها للدين والتدين، وما يجوز في مجتمع ويكون مألوفا وطبيعيا يكون مجرما في مجتمع آخر، ومن حق السلطات السودانية أن تدافع عن الأمن القومي للسودان في مواجهة كل ما يتهدده حتى لو كان “بنطلونا”، ومن حق الجامعة الجزائرية أن تفرض من اللوائح ما تراه متفقا مع القيم والأخلاق بين طلاب العلم.
ولكن ما شغلني في هاتين الحادثتين هو ردود الفعل المتطرفة للغاية بين المؤيدين والمعارضين لما جرى، ولاحظت وجود تشابه كبير في هذه الناحية بين ما حدث من تبعات عقب موقعة البنطال وغزوة التنورة، فقد بينت ردود الأفعال هذه أن الانقسام والاستقطاب داخل المجتمعات العربية والإسلامية قد وصل إلى درجة مخيفة، فقد رأينا فريقا يؤيد بشدة منع الطالبة الجزائرية من دخول الامتحان ورأينا فريقا آخر قد تطرف في رد فعله إلى حد أنهم أطلقوا حملة لتعرية السيقان تحديا لحملة الطرف الآخر التي دعت الآباء والأزواج أن يمارسوا رجولتهم وأن يمنعوا بناتهم وزوجاتهم من ارتداء التنورات القصيرة.
وخلال موقعة “البنطلون” رأينا حربا ضروسا بين السودانيين، خصوصا بعد أن أطلق الكيزان جحافلهم على الانترنت من اجل الدفاع عن جلد صاحبة “البنطلون” ومواجهة أنصار التعري والفسق واتخاذ هذه الموقعة مناسبة لتصفية الحسابات مع الخصوم، لدرجة أن أحد الكيزان المؤيدين لجلد الصحافية السودانية قد سعى إلى تدويل الأزمة البنطلونية وتصدير الثورة إلى مصر عن طريق الحدود الجنوبية المصرية، حيث قال معلقا ومؤيدا لمن سبقه بالتأييد: “شكراً على طرحك مع تمنياتي أن يتمكن هذا التطبيق الذي رأيناه من ضبط أمور التبرج السافر الذي نراه في كل مكان حتى في منابر العلم ليس فقط الجامعات بل المدارس والكيجيهات ولو عبر هذا التطبيق الحدود المصرية أعتقد أننا سوف نواجه أزمة نقص في السياط حتى ولو تم استيراد جميع منتجات السودان والدول المجاورة”.
إبداع ما بعده إبداع وقدرة نادرة على توظيف الأحداث لخدمة الأمن القومي للبلاد! شر البلية ما يضحك، فالأمة تحترق والشعوب العربية تدخل في معارك التنورات والبنطلونات بدلا من أن تستفيق وتبعد الخازوق الذي يدق بأسفلها، فكيف يهتم الناس بقضايا لا تفيد وينشغلون عن المصير المحتوم الذي ينتظرهم.