تكريم فيفي عبده والأمن القومي العربي

تكريم فيفي عبده والأمن القومي العربي

ضجة كبيرة أثيرت على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الصحف وعلى المنابر وانبحت حناجر وارتفعت معدلات ضغط الدم لدى الملايين من المصريين والعرب، ومعارك الكترونية نشبت وأحرقت الأخضر واليابس، وحدثت قشعريرة في ظهر الأرض، وأضرب سائقو القطارات عن العمل، وتبين أن السبب في هذا كله خبر يقول إن فيفي عبده حصلت على جائزة الأم المثالية، وفي رواية أخرى قيل إنها حصلت على تكريم من نوع ما من أحد الأندية الاجتماعية في القاهرة!
فهل الأمر يحتاج لكل هذه الضجة وكل هذه المعارك؟
لم يسأل أحد أو يهتم بالجهة التي منحتها هذه الجائزة وأهمية هذه الجهة ووزنها لدى مصر ولدى العرب والمسلمين، ولكن الحملة انصبت كلها على أن فيفي عبده لا تستحق أية جائزة حتى إن كانت حصلت عليها من قبل أحد المقاهي الشعبية!
أنا لا أقصد الدفاع عن فيفي عبده ولا عن الرقص الشرقي الذي مارسته فترة من الزمن، فهذه مسألة أخرى، ولكني أتحدث عن انخراط الشباب العربي والمسلم في معارك لا طائل من ورائها وحدوث ردود أفعال هستيرية دون وجود مصيبة تستحق ذلك، واستغلال أحداث صغيرة في تصفية الحسابات.
لقد قرأنا ان مدارس محافظة مصرية كاملة ألغت الاحتفال بعيد الأم هذا العام احتجاجا على حصول فيفي عبده على جائزة الأم المثالية، واعتبر كثيرون ما حدث اعتداء على مشاعر الناس وإساءة للدين
وسواء كانت فيفي عبده تستحق التكريم أو لا تستحقه، فهذه ليست القضية، فالجهة التي قيل إنها اعطت هذه السيدة جائزة الأم المثالية هي ناد اجتماعي، وليست الدولة المصرية أو إحدى وزاراتها هي التي نفذت هذا التكريم، وبالتالي فالضجة التي أثيرت حول الموضوع مبالغ فيها.
والغريب بعد كل هذا الذي حدث وبعد أن أطلق نشطاء الفيسبوك مئات النكات حول هذا الموضوع ان النادي الاجتماعي الذي قيل إنه كرم السيدة فيفي قد تبرأ هو أيضا من هذه المسألة وقال انه لم يقم حفل تكريم لأية أمهات مثاليات بسبب الأحداث الارهابية التي راح ضحيتها أعداد من رجال الجيش، وإن مسؤول العلاقات العامة الذي وجه الدعوة لفيفي عبده لحضور مناسبة في النادي قد تم فصله من عمله!
المجتمع المصري والعربي والمسلم يعيش في حالة انفعال وتحفز وتنمر لبعضه البعض وينتظر هفوة صغيرة لبعضه البعض لتكون مبررا لحملة هجومية يمارسها ضد خصومه الداخليين حتى إن كان ذلك يبعده عن قضيته الأساسية ويساعد خصومه الحقيقيين.
في تقديري الشخصي هناك أم واحدة يجب أن يلتفت إليها المصريون هذا العام ويحنون عليها ويقبلون يديها وجبينها ويمسحون دموعها الساخنة التي تسيل على خديها، إنها الأم التي لا تزال صامدة وشامخة رغم مؤامرات الأعداء ونكران الأبناء وخيانة بعض الأقارب، إنها مصر قلب العروبة النابض.