أجهزة الأمن في مختلف الدول العربية ومن بينها البحرين تحملت الكثير والكثير خلال العامين الماضيين نتيجة للاحتجاجات والثورات التي انطلقت في معظم هذه الدول، حيث حدث ما يمكن أن نسميه بحالة من التجرؤ الذي لم يسبق له مثيل من قبل الشعوب على هذه الأجهزة، ونتج عن ذلك حالة من عدم التوازن انتابت رجال الأمن خاصة في الدول التي سقطت أنظمة الحكم فيها.
في الكثير من المواقف نجد الشرطة بين نارين، فهي لابد أن تتدخل لحفظ الأمن في المواقف التي تحتم تدخلها، وفي الوقت نفسه لابد أن تكون حريصة في تعاملها مع المحتجين والمنفلتين لأن العالم كله ينظر ويشاهد ويتصيد، وعندما يصاب أحد المحتجين بالتواء في القدم تقوم الدنيا ولا تقعد، ولكن عندما يقتل رجل شرطة بطريقة أو بأخرى لا يهتم أحد ولا تقوم منظمات حقوق الانسان بإصدار بياناتها والإعراب عن قلقها.
من الأسباب التي يسوقها رجال الأمن في مصر لعدم قيامهم بالتصدي للخارجين على القانون بعد ثورة 25 يناير، في مواقف تقتضي ذلك، بسرعة معينة، وبكيفية معينة، أنهم يخافون من المحاكمات، خاصة ان الكثير منهم تعرض للمحاكمة على خلفية أحداث هذه الثورة.
رجل الشرطة إذا يتم تجريده من صفة الاقدام وشجاعة التدخل بسبب الخوف من التعرض للمحاكمة، رغم أن مواقف معينة تقتضي التدخل واستخدام القوة ضد الخارجين على القانون.
ومما يزيد الضغط النفسي على رجل الشرطة ويجعله متوترا أثناء عمله تلك التقنيات الاتصالية الحديثة التي يمكن أن تفضح كل زلة لسان يقولها رجل شرطة وهو في حالة انفعال، فتجد هذه الزلة أو غيرها من التصرفات قد سافرت في لمح البصر لكل أركان العالم من خلال الفيسبوك والتويتر وتم تسويقها بعد اجتزائها وتوظيفها حسب الهوى السياسي للشخص الذي يتولى تسويقها.
هذا التوتر الناتج عن الخوف من المحاكمات والخوف من التشهير وتكبير كل صغيرة حتما يؤثر على أداء رجل الشرطة فيجعله يتخلى عن بعض شجاعته واقدامه، على الرغم من تعرضه هو شخصيا للاعتداء الجسدي وتعرضه للقتل.
وعلى الرغم من أن البحرين لم تتعرض لما تعرضت له دول عربية أخرى من انفلات أمني خطير أضر بمصالح خاصة وعامة، إلا أن حالة التجرؤ على رجال الشرطة خلال العامين الماضيين كانت واضحة في البحرين كغيرها، وتعرض هؤلاء الرجال للإيذاء النفسي والمعنوي والجسدي، بعد صدور فتوى “اسحقوهم” الشهيرة، وسقط منهم من سقط وأصيب من أصيب، وكان آخرهم حتى الآن الذي تعرض للدهس قبل أيام قليلة.
نحن لا نسجل هذه الملاحظات من باب التزلف لرجال الشرطة ولكننا نريد التحدث عن آلام الطرف الذي لا يتحدث عنه أحد، فقد جرت العادة في عالم الاعلام على الاهتمام بمن يتعرضون للأذى على أيدي رجال الأمن، أما رجال الأمن أنفسهم فلا يذكرهم أحد إذا تعرضوا للأذى والقتل، على اعتبار أن هذا هو عملهم الذي اختاروه وعليهم أن يتحملوا مخاطره.
وخلاصة القول إننا نريد أن ننبه إلى خطورة التجرؤ التدريجي على هيئة تعد رمزا لهيبة الدولة ومكانتها، لأن هذا التجرؤ التدريجي يؤدي في حال التسامح معه إلى تراجع تدريجي لدور الشرطة وبالتالي تناقص تدريجي لهيبة الدولة.
كل التحية والتقدير لرجال الأمن الأوفياء بمناسبة العام الجديد.