في ظل تزاحم الأفكار وجيشان الشعور وتتابع الأحداث على أرض الكنانة، قد يرتبك القلم ويصعب ترتيب الأفكار واختيار التعابير والمفردات ويصعب على الكاتب اختيار نقطة البداية التي يبدأ منها حديثه عما جرى على أرض مصر التي نعشقها بلا حدود.
لم يكن أمامي شخصياً سوى أن أطلق العنان لمشاعري وأسجل خواطري بدون ترتيب أو حذلقة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا فتح الله عليكم مصر، فاتحذوا منها جنداً كثيفاً، فهم خير أجناد الأرض، لأنهم وأهليهم في رباط إلى يوم القيامة… أوصيكم بأهل مصر خيراً، فإن لنا فيها نسباً وصهراً” هذا ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام في حق هذا الشعب المصري العظيم الذي يحمي بلده ويموت من أجلها.
ذلك الشعب الذي يتحمل طويلاً، اعتمادا على روحه المتسامحة وقدرته على تحمل الصعاب بالنكتة والتهكم، ولكنه عندما يثور يصبح شيئاً آخر، واتق شر الحليم إذا غضب، ويبدو بالفعل أن هذا الشعب الصبور الذي يرضى بالقليل ويصبر على المكاره، ثار هذه المرة ثورة لم يسبق لها مثيل، ولم يتخيلها أحد، لا في الداخل ولا في الخارج.
شباب مصر الجديد فاجأ الجميع بثورته وصموده ولم يكن في خيال أجهزة الأمن المصرية أو غيرها أن الأمر سيصل لهذا الحال، ولم تكن ثورة هذا الشباب العظيم الذي خرج تلقائياً دون ترتيب أو قيادة، هي الشيء الوحيد الذي أدهشنا، ولكن روح الانتماء الرائعة التي اتضحت في مشاهد عديدة تابعناها، وأثرت فينا إلى حد الدموع، فمن منا لم يسمع أو يرى كيف قام هذا الشباب المتظاهر سلمياً صاحب المطالب العادلة بعمل درع بشري لحماية المتحف القومي المصري… هذا الشباب الواعي يعرف أن هذا المتحف هو تاريخ مصر وكنوزها، ولو كان هذا الشباب عاقاً أو فاسداً لقام هو باقتحام المتحف، وأخذ ما فيه من كنوز.
شباب مصر في كل مدينة وقرية قام بتشكيل جماعات حراسة لحماية المنازل والممتلكات العامة والخاصة، عندما تخاذلت الشرطة المصرية عن القيام بدورها الأساسي الذي هو حماية الأمن وحماية أرواح الناس وليس فقط حماية الحكومة والنظام.
فما هذا الشباب الرائع الذي يستحق من الرئيس حسني مبارك ومن كل أصحاب الضمير في مصر أن يحترموا مطالبه، حتى إن كان تغيير النظام؟!
فمصر أكبر وأبقى من أي نظام ومصر أهم من أي فرد سواء اتفقنا معه أو اختلفنا، ومهما كان تاريخ هذا الفرد وعطاؤه، فإذا الشعب يوماً أراد الحياة… فلابد أن يستجيب النظام!
مصر تاريخ وجغرافية ومكانة وسند وعمق لأمة بكاملها، ولا يجب أن توضع مصر بكل ما نعرفه لها في كفه، ويوضع شخص واحد في كفة أخرى.
إننا نبكي بدل الدموع دماً على الأوضاع الحالية في مصر العروبة، بلد كل العرب وليس بلد المصريين وحدهم… وندعو الله قبل نشر هذه الكلمات أن تعود مصر هادئة وآمنة كما كانت مهما كان نوع وعدد الأفراد الذين يرحلون.
تحيا مصر… تحيا مصر… تحيا مصر.