في الخامس والعشرين من أكتوبر 1881 وُلد طفل في “مالغا” في أسبانيا، وكانت ولادته للصدفة ولادة متعسرة ، ولكي يساعده الأطباء على التنفس نفخوا في أنفه دخان السيجار، فلم تكن هناك وسيلة طبية تفيد في حالته سوى ذلك..
وعلى الرغم من أن هذا الطفل كان أصغر مدخناً ، فقد كبر ليصبح واحداً من أعظم رسامي القرن العشرين. إنه الفنان الأسباني المعروف “بابلو بيكاسو” . فقد ظهرت موهبة “بابلو بيكاسو” الإستثنائية منذ صغره وكانت كلمته الأولى” لابيز” lapis التي تعني بالأسبانية قلم رصاص. وتعلم بيكاسو أن يرسم قبل أن يتعلم الكلام. كان هو الإبن الوحيد في الأسرة ولذلك كان مدللاً لدرجة أفسدته إلى حد كبير.
في 1891 حصل والده الذي كان فناناً هاوياً على وظيفة مدرس رسم في أحد المعاهد وكان بابلو بيكاسو “الإبن” يذهب معه إلى المعهد ويشاهده دوماً وهو يرسم وكان في بعض الأحيان يقوم بمساعدته. وذات مساء كان بيكاسو “ الأب” يرسم صورة للحمام الذي كانوا يربونه في البيت، وبالصدفة خرج الأب من الغرفة لقضاء شىء ما دون أن يكمل الصورة ، وعندما عاد وجد أن بابلو بيكاسو” الإبن” قد أكمل الصورة وكانت غاية في الجمال والحيوية .
وكانت نتيجة هذا الموقف أن أعطى بيكاسو “ الأب” فرشاته وألوانه لبابلو الصغير ، وإمتنع عن الرسم حتى فارق الحياة !
عند هذه الحادثة كان عمر بيكاسو “الإبن” 13 عاماً ، ومنذ تلك اللحظة لم يتوقف عن الرسم . ولكنه رغم عبقريته صدم مشاعر الكثيرين ممن أرادوا له أن يكون رساماً تقليدياً حيث كسر بيكاسو القواعد الفنية التقليدية وإشتهر بما يسمى بالفن التكعيبي الذي يعتمد على إستخدام أشكال هندسية كالمثلثات والمربعات في رسمه للبشر مع وضع ملامحهم في المكان الخطأ ، كأن يضع أنف شخص معين فوق حاجبيه أو يضع فمه أعلى الأنف وربما يضع أنفه في قفاه ، وهكذا حسب الرسالة أو التعبير الذي يريد أن يوصله!
“بيكاسو” غيـّر أفكار العالم عن الفن وأصبح الفن الحديث لدى الناس معناه بيكاسو.
“بيكاسو” رسم 6000 لوحة ، تـُعد الأكثر شهرة من بينها “ غورنيكا” التي رسمها 1937، وهي اللوحة التي تسجل آثار القصف الوحشي الذي أصاب مدينة الباسك الإسبانية أثناء الحرب الأهلية الأسبانية ، عندما قامت طائرات هتلر بدك هذه المدينة وتسويتها بالأرض.
كانت هذه اللوحة في عصرها تصور أبشع ما أنتجته آلة الحرب التي لا ترحم ، ولكني لا أعتقد أنها كانت ستظل الأكثر تعبيراً عن البشاعة لو أن بيكاسو عاش ليرى ما فعلته آلة الحرب الإسرائيلية المجرمة في غزة ، وما فعلته نظيرتها الأمريكية في العراق.
حـُكي أنه ذات مرة كان وزير الثقافة الفرنسي يزور بيكاسو في مرسمه ، وحدث أن قام بيكاسو دون قصد بسكب بعض الألوان على بنطلون الوزير الفرنسي، فشعر بيكاسو بالحرج وإعتذر للوزير وطلب منه أن يسمح له بتنظيف البنطلون من ماله الخاص. فما كان من الوزير إلا أن قال : “ نو .. نو.. مسيو بيكاسو . فقط أرجوك أن توقع على بنطلوني”.
بيكاسو مات عام 1973 عندما لم يتحمل قلبه الضعيف فيروس الإنفلونزا التي أصابته آنذاك .