بلاغة المحرقي

بلاغة المحرقي

الصورة الجيدة خير من ألف كلمة، هذا هو الوصف الذي يجب أن يقال حول كاريكاتير المحرقي في جريدة أخبار الخليج أمس الأربعاء، فالرجل رسم الحالة أو لنقل المؤامرة، التي نعيش نحن العرب في قلبها الآن في مساحة ضيقة جدا دون حاجة لكلام كثير ودون لف أو دوران.
المحرقي في هذا الكاريكاتير رسم الهلال الإيراني وهو يوشك أن يكتمل، ذلك الهلال الذي يضم في وسطه تقريبا إيران والعراق ويمتد ليأخذ سوريا ولبنان وعند طرفه الآخر توجد اليمن، وبين إيران واليمن على هذا الهلال لا تزال هناك مساحة خالية.
الصحف العربية كلها بشكل عام والصحف البحرينية بشكل خاص تمتلئ عن آخرها بمواد خبرية ومقالات وأعمدة وغيرها عن ما يجري في العراق وما يجري في اليمن وما يجري في سوريا ولبنان والبحرين، وحديث عن الانتخابات والمقاطعات والتشنجات والجميع ينتظر هزيمة داعش وكأننا في مسرحية “في انتظار غودو”، ولكن كل هذه المواد لا تعبر بدقة عن الحالة المأساوية التي نحن فيها والتي عبر عنها المحرقي في هذا الهلال المرعب والظلام الذي يلف الأمة كلها تحته.
قد يقول قائل إن فكرة هذا الهلال ليست جديدة والمحرقي لم يخترع شيئا هنا وإنه نقل الرسم عن أدبيات معروفة في مجال السياسة، وهذا صحيح، ولكن الفكرة هنا هو أن المحرقي يلعب الدور الذي تلعبه هيئات الأرصاد الجوية ولجان الاستطلاع الشرعية التي تستطلع ميلاد الأهلة، وهو بصفته فنانا مرهف الحس فقد رأى قبل غيره أن الهلال يولد الآن ولم يبق سوى جزء بسيط فيه لم نره بالعين المجردة ونقصد به ذلك الجزء الخالي الموجود بين إيران واليمن، وهو الجزء الذي نتمنى من الله أن يظل هكذا خاليا.
 المحرقي في هذا الرسم التراجيدي يأخذ عينك لحظة ولكنه يأخذ ذهنك لوقت طويل جدا ويملأ عقلك وقلبك بالحزن الشديد على حال العرب.
 أسوأ ما في هذه المرحلة التي تعيش فيها الأمة العربية – شعوبا وحكاما – أنها على وعي بالمؤامرة التي نعيش في قلبها الآن ومع ذلك لا تبدي المقاومة اللائقة التي تبطل مفعولها وكأنها مكبلة بقيود لا فكاك منها على الإطلاق!
هذا ليس تفسيرا علميا لرسم المحرقي في أخبار الخليج ولكنه مجرد خواطر، فالرجل له رسالته التي يريد أن يوصلها للناس، والقارئ قد يحملها ما لا تحتمل أو يقرأها بشكل خاطئ، ولذلك فأنا أعتذر له عن أي سوء فهم أو تقصير، وأدعوا الله وأدعوا كل المشغولين والمنهمكين في صراعات لا طائل من ورائها أن يستفيقوا قبل أن يملأوا الحيز الذي لا يزال خاليا على هذا الهلال!.