الأستاذ عبدالله جمعة فيروز سالم مدرس من نوع خاص، لأنه خرج عن المألوف في تدريسه لمادته واختباره لتلاميذه من وقت لآخر. وهو من المعلمين القلائل الذين يعتبرون عملهم رسالة قبل أن يكون مهنة، ويحاولون كسر نمط التعليم العربي المعتمد على التلقين البحت الذي يحول الدارس إلى كائن سلبي طوال الوقت، ويقتل فيه القدرة على الابتكار والإبداع، فالطالب ليس أكثر من آلة للتسجيل تختزن المعلومات التي يفرغها المعلم أثناء الدروس، ثم تقوم بإفراغها في ورقة الإجابة يوم الامتحان.
وعلى الرغم من أن المناهج الدراسية وطرق التقييم في الدول العربية، ومن بينها البحرين، تكرس عملية التلقين ولا تقاومها، إلا أن الأستاذ “عبدالله جمعة فيروز سالم” يقوم بكسر الأداء التلقيني التاريخي الذي عرفه المعلمون منذ مئة عام، ويتبع في ذلك وسائل مسلية وناجحة تؤدي إلى تشجيع الطالب وتعويده على التفكير والنقد لما يصبه المعلمون فوق رأسه كل يوم.
يقول الأستاذ “عبدالله” في رسالة له يدعو خلالها بحماس كبير إلى إصلاح أحوال التعليم، انه يقوم من وقت لآخر بإملاء تلاميذه سطورا في مادة التاريخ ويقوم بوضع معلومات مغلوطة ضمن هذه السطور، كأن يقوم مثلا بحشر اسم أحد لاعبي الكرة أو أحد المطربين ضمن الأبطال التاريخيين أو ضمن أبطال معركة معينة، أو ضمن إحدى الأسر الحاكمة في فترة تاريخية معينة. ثم ينتظر رد فعل الطلاب تجاه هذه المعلومات المغلوطة، فيجد بعضهم يكتبون ما يملى عليهم وهم مستكينين، لأنهم لم يتعودوا على فرز أو نقد المعلومات التي تتلى عليهم، أو لأنهم لا يجرؤون على مناقشة الأستاذ، على اعتبار أنه كائن لا يخطئ، والقليل جدا منهم يتنبهون لما أورده الأستاذ عمدا من أخطاء.
ما يفعله الأستاذ “عبدالله” شيء طيب ولكن كم من المعلمين يتبعون هذا الأسلوب أو غيره من الأساليب التعليمية التي تساعد الطالب على تنمية مهاراته على نحو صحيح؟ أعتقد أن القليل جدا منهم ممن ينظرون إلى مهنتهم على أنها رسالة سامية هم الذين يقومون بذلك.
عندما قرأت رسالة الأستاذ “عبدالله” تذكرت حادثة كنت قد قرأت عنها قبل فترة، وهي حادثة تكفي وحدها لإقامة الدليل على فشل التعليم في العالم العربي، وتعطينا تفسيرا واضحا لفشل الجامعات العربية في تبوء أي مواقع على قائمة الجامعات الـ 500 المعترف بها على مستوى العالم.
إنها قصة طالبة من إحدى الدول العربية نشأت في أسرة متفوقة علميا وشاء القدر أن تسافر مع والدها ووالدتها إلى الولايات المتحدة، حيث ذهب الوالدان لإكمال دراساتهما العليا. والتحقت الابنة بإحدى المدارس هناك.
وذات يوم أصيب الوالدان بصدمة عندما تلقيا رسالة من المدرسة تفيد أن الابنة قد حصلت على درجة صفر في أحد “الكورسات” الدراسية. فكيف لهذه الابنة المتفوقة خلال السنوات الماضية في بلدها العربي، أن تحصل على صفر عند الخضوع لأول تقييم في هذه المدرسة الأميركية؟؟
وعندما ذهب الأب ليستوضح الأمر من المدرسة، قال له المعلم أن إجابة ابنته جاءت نسخة مما هو موجود في الكتاب دون أي اختلاف، وهذا يعني أن ابنته قد “غشت” الإجابات من الكتاب. ولكن الأب الواثق من أن ابنته المتفوقة لا تمارس “الغش” أبدا، فسر للمعلمين ذلك بأن ابنته حفظت الكتاب عن ظهر قلب وأن هذا هو المتبع وأن التقييم يتم في بلده العربي على هذا الأساس.
وبالفعل لم تكن هذه الطالبة ضعيفة علميا، ولكن مصيبتها كانت بسبب تعودها على نظام تعليم خاطئ على مدى سنوات. والدليل على تفوق هذه الفتاة أنها بعد أن تلقت علاجا نفسيا معينا ورعاية خاصة من مدرسيها استطاعت أن تتعافى تماما من آثار التعليم الذي عانت منه في بلدها الأصلي!.