في مثل هذا اليوم من العام الماضي تعرضت البحرين لواحدة من التجارب المريرة التي تعرضت لها في تاريخها، ولكنها خرجت منها قوية وعزيزة أكثر مما كانت، فقد استغل البعض من ذوي الأجندات الخاصة المرتبطين بمرجعيات خارجية وتمويل خارجي، الظروف التي يمر بها العالم العربي والثورات التي انطلقت في أرجائه لتمرير مخطط جهنمي ضد البحرين وأهلها، وكان الهدف من هذا المخطط هو إما الانقضاض على الحكم الشرعي فيها أو إغراقها في الفوضى لكي يستسلم أهلها لقدرهم بعد حين وبعد أن تمتلئ شوارعها بالدماء. ولكن الله سبحانه وتعالى رد كيد الخائنين إلى نحورهم.
هذه الأحداث رغم ضراوتها ورغم التخطيط الجيد لها انتهت إلى لاشيء، وكما يقول المثل الانجليزي “الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويك”، فقد خرجت البحرين أقوى مما كانت.
لقد أكدت هذه الأحداث على حقيقتين هامتين يجب على الجميع أن يعيهما، خاصة الذين يصل بهم خيالهم إلى آفاق بعيدة ويبتعدون كثيرا عن واقع وخصوصية الأوضاع في مملكة البحرين ويحاولون السير في دروب المستحيل.
الحقيقة الأولى التي أكدت عليها هذه الأحداث أن الذين شاركوا فيها والذين خططوا لها والذين رعوها ينتمون جميعا لطائفة واحدة، وبالتالي فقد عبرت عن حركة طائفية وليس حركة شعبية، والفرق لاشك كبير بين الاثنين، لأن الحركة الشعبية تعبر عن الشعب كله أو أغلبية الشعب، سواء كانت لأسباب سياسية أو اجتماعية.
وتبدأ هذه الحركة الشعبية صغيرة ثم تكبر بسبب تعنت النظام في التعامل معها وعدم الاستجابة لمطالبها أو حتى عدم قدرته على تلبية هذه المطالب، كما حدث في الجمهوريات العربية التي غرقت في الفساد والمحسوبية وخلفت شعوبا تعاني من البطالة والفقر والأمراض، وأصبحت عاجزة بسبب هذا الفساد حتى عن إنقاذ نفسها.
ولكن الحركة الطائفية سرعان ما تنكشف أهدافها مهما غلفتها بأغلفة خادعة، ولا يتسنى لها النجاح لأنها لا تنال تعاطف الداخل ولا الخارج، لأنها لا تمتلك المبرر الأخلاقي والشرعي الذي يبرر استمرارها.
أما الحقيقة الثانية فهي القوة التي يتمتع بها نظام الحكم في البحرين، ولا نقصد هنا المعنى التقليدي للقوة، فنحن لا نقصد قوة القبضة الأمنية وإحكام السيطرة على مقاليد الأمور، بقدر ما نقصد مرونة وحيوية هذا النظام وقدرته على التطور مع حركة وتغيرات الحياة من النواحي السياسية والاقتصادية وتطور تكنولوجيا الاتصال.
فنظام الحكم القوي هو الذي يتطور كأي كائن حي، على العكس من النظام الجامد الذي يظل على حاله منغلقا وبعيدا عن حركة الحياة فيموت من داخله.
وقد تجلت عبقرية القيادة السياسية في البحرين في قدرتها على استيعاب ما يجري في العالم والتعامل مع الأحداث من قبل أن تقع، فقدمت من الاصلاحات التدريجية ما يقوي النظام في مواجهة من يحاولون الانقضاض عليه، وبالتالي عندما وقعت الأحداث المؤسفة العام الماضي لم تصاب أجهزة الدولة البحرينية بالارتباك الذي أصاب غيرها من الأنظمة الاستبداية التي لا ترى إلا نفسها وبقاءها فينتهي بها الأمر إلى الانتحار السياسي.
والخلاصة أن الشعب البحريني لا سبيل أمامه سوى أن يتخلص من شيطان الطائفية و يتخلص من المنظار الطائفي في النظر إلى الحاضر وفي صياغة المستقبل ويتخذ المواطنة أساسا لكل تحرك وكل تطلع.