تصريحات نائب رئيس الوزراء الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة خلال زيارته لديوان الخدمة المدنية عن ضرورة إعداد صف ثان من القيادات القادرة على تحمل المسؤولية في مجالات العمل المختلفة أثارت شهيتي على الفور للكتابة عن هذا الموضوع المسكوت عنه رغم خطورته.
إن من مآسي العالم العربي كله وليس البحرين وحدها، أنه لا يوجد ما يسمى بقيادات الصف الثاني والثالث، على عكس ما يحدث في العالم المتقدم، ولا نبالغ إذا قلنا ان من أسباب تخلف العالم العربي أن القيادات الموجودة في مجالات العمل المختلفة لا تقوم بتدريب وإعداد قيادات تخلفها في مجالها، وهذا قد يرجع لأسباب نفهم بعضها، فأغلب المديرين في عالمنا العربي عندما يحصلون هذه الدرجة ينحصر اهتمامهم في كيفية المحافظة على بقائهم في كراسيهم مدى الحياة اكثر من حرصهم على مصلحة العمل وتطويره والعمل بأساليب العمل الحديثة، وخلال رحلة كل مدير في الحفاظ على كرسيه قد يقوم بتحطيم اقدار أجيال متعاقبة من القادرين على حمل اللواء بشكل أفضل منه، فلابد له من وأد كل من لديه أسباب النبوغ والتفوق حتى لا يظهر عليه ويسحب السجادة من تحت قدميه، وقد يساعده على ذلك غياب الأساليب العلمية في تقييم الأداء الوظيفي، سواء تقييم المرؤوسين أو تقييم المدير نفسه.
البحرين تأخذ بأساليب التعليم والتدريب الحديثة وتنفق الكثير على البعثات التعليمية ليحصل أبناؤها على أعلى الدرجات العلمية، باعتبار التعليم من أهم أسس وثمار المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، وبالتالي لابد أن ينعكس ذلك على الأداء الوظيفي للرئيس وللمرؤوس معا، ولابد من اتباع أساليب علمية في تقييم الأداء الوظيفي يكون من شأنها خلق القيادات الشابة، وليس خنق القيادات الشابة على أيدي رؤسائهم بعد قتل الابتكار في رؤوسهم وملأ نفوسهم بالإحباط وتحويلهم إلى كائنات فاقدة للحماس والرغبة في التفوق، خاصة أن إصرارهم على التعبير عن أنفسهم قد يذهب بهم إلى المهالك، وكم من طامح مبدع تحول إلى مشاغب ومعطل للعمل وحوصر في ركن ضيق أو تم نقله إلى موقع آخر.
إنني أعرف من المديرين من تكون مهمته اليومية نقل معلومات ظالمة عن مرؤوسيه للقيادات العليا، لكي يقيم حاجزا فولاذيا بينهم وبين هذه القيادات ليضمن عدم تعاطفها معهم تحت أي ظروف ويكون البقاء له وحده، مهما كانت إمكانياته.
نحن لا ندعو إلى تجريد المدير من صلاحياته أو إفقاده هيبته لدى الموظفين، ولكننا ندعو إلى أساليب في التقييم تعطي كل ذي حق حقه وتقضي على الذاتية والمحاباة في الحكم على الناس، وهذا يمكن تحقيقه بتقليل المساحة المخصصة لرأي الرئيس في مرؤوسيه عند ترقية هذا المرؤوس أو نقله لعمل أفضل.
وطالما أن القيادة توجه دوما بضرورة إعداد الكوادر وتوفر الدعم اللازم للتدريب والأخذ بأساليب العمل الحديثة؛ فلابد من متابعة أداء المديرين وتقييمهم وتقديرهم وظيفيا بناء على قدرتهم على صنع صف ثان وثالث من القيادات، لأن المفترض أن المدير أستاذ ومدرب لمرؤوسيه وليس مجرد مخبر عليهم!