هناك حكمة تقول إن الشيء عندما يزيد عن حده ينقلب إلى ضده. هذا بالضبط هو ما حدث في دولة الكويت الشقيقة، فقد زادت حدة المعارضة الكويتية إلى درجة لا تتفق مطلقا مع ظروف دولة عربية اجتهدت حكومتها إلى حد كبير في إرساء قواعد الديمقراطية فيها، حتى أصبحت هذه المعارضة مثل الملح أو مثل السكر الذي يمكن أن يصلح مذاق الطعام ويمكن أن يفسده ويجعله غير مستساغ، بل ويجعله ضارا ومدمرا للصحة.
خلال عامين لم يحدث “كلاشا” سياسيا في أي دولة في العالم مثل ذلك الذي حدث في الكويت إذا ما أخذنا في الاعتبار أسباب هذا الكلاش. فإلى متى سيظل يتكرر وصول العملية السياسية في الكويت الشقيقة إلى طريق مسدود؟
لقد حدث التطور الديمقراطي في الدول العريقة على مستوى العالم بالتدريج، ونشأت المؤسسات الديمقراطية في العالم نشأة واقعية، حيث كانت المعارضة أو البرلمانات في هذه الدولة تحصل على ما تريد من الحكومات أو من الملوك شيئا فشيئا، وتعمل أولا على المحافظة على ما حققته من مكاسب، ثم تسعى إلى تحقيق إنجازات جديدة بالبناء على هذه المكاسب.
ولكن المعارضة الكويتية على ما يبدو تريد أن تهدم ما تحقق من إنجازات خلال السنوات الماضية، وتريد أن تقفز في الهواء وتطير إلى المريخ مرة واحدة ودون معرفة بأصول الطيران.
ليس من المعقول أن يقوم كل نائب عند كل اختلاف مع الحكومة بتحويل نفسه إلى شمشون ويهدد بتفجير نفسه في البرلمان وفي الحكومة ما لم تتحقق مطالبه. الديمقراطية اختراع بشري من أجل تحقيق حياة أفضل للشعوب وتحقيق العدل قدر المستطاع، وليس أداة للتعطيل وإثارة الفوضي وهز استقرار الدول.
هل المسألة بالنسبة للمعارضة في الكويت هي تصفية حسابات وسعي لاقتلاع الحكومة من جذورها أم إنها العمل مع الحكومة وفق القواعد السياسية الموضوعة والتي ارتضتها المعارضة يوم أن دخلت الانتخابات وقبلت بنتائجها؟
الكويت أجرت انتخابات ديمقراطية نزيهة أكثر من مرة، ولو كانت الحكومة تريد تزوير الانتخابات لفعلت ذلك، ولكنها أعطت الفرصة لكل ألوان الطيف السياسي للوصول إلى البرلمان دون تضييق، ولابد للمعارضة أن تعي أن التطور الديمقراطي سلسلة متصلة عبر الزمن، وأن عليها أولا أن تحافظ على ما تحقق لا أن تصل في عام أو عامين إلى ما وصلت إليه الدول في خمسين عاما.
نحن لا نقصد الدفاع عن الحكومة الكويتية أو الأسرة الحاكمة هناك، ولكننا نتمنى الخير للكويت كله كما نتمناه للبحرين، ولا نريد أن تظل الأمور متوترة هناك بالشكل الذي يؤخر ولا يقدم.
ولا نقول أيضا إن الحكومة الكويتية مبرأة من كل عيب، ولكننا نريد من المعارضة الكويتية أن تقارن بين ما تم إنجازه في الكويت خلال الأعوام الماضية، وبين ما تحقق في غيرها من الدول في المنطقة، ونريد منها أن تكون واقعية في تطلعاتها؛ لأن التأزيم المتكرر للأمور لا يضمن لها تحقيق المزيد من المكاسب الديمقراطية، بل قد يؤدي إلى النكوص والارتداد.