لقد ابتكرت الشعوب القوانين والدساتير والمحاكم والحكومات والمجالس لكي تسعد نفسها وتحمي أوطانها ولكي تنتقل من شريعة الغاب إلى العدل والمساواة بين البشر،وتنتقل من البداوة إلى التحضر والمدنية.
واخترعت الشعوب الديمقراطية وصناديق الانتخاب لكي ترضخ الأقلية لارادة الأغلبية وتكون الكلمة للشعب.
ولكن الديمقراطية لم تكن أبدا ثوبا جاهزا يتم ارتداؤه من قبل أي شعب من الشعوب،ولكنها ثقافة يتعلمها البشر منذ الطفولة ويمارسونها داخل الأسرة وداخل المدرسة وفي كل شئون حياتهم،وبالتالي عندما يمارسونها فيما يتعلق بشئون الحكم والحكومات يكونون جاهزين دوما لتقبل ما تفرضه الممارسة الديمقراطية من تغييرات تكون في أحيان كثيرة على غير هواهم.
وقد رأينا كيف تقبل الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الهزيمة في الانتخابات الرئاسية في فرنسا وقام بتهنئة خصمه على الفوز،ولكننا في المقابل نجد أشياء مختلفة في بلادنا العربية،فالاعتراف بالهزيمة وتهنئة الفائز ثقافة لا نعرفها،واحترام أحكام المحاكم ثقافة لا نعرفها.
ما نراه في الكويت حاليا شيء يدعو للاكتئاب،وهو صورة معبرة عن عدم احترام الشعوب العربية لأحكام القانون والظهور بمظهر غير حضاري أمام العالم.
هل الكويت هي الأهم والأبقى ام المصالح الشخصية والعناد والرغبة في قهر الغير هو الأهم؟ولماذا كل هذه الضجة حول حكم قضائي أصدرته محكمة كويتية لها اختصاصها وولايتها في الأمر الذي أصدرت الحكم بشأنه؟
لماذا بكل هذه البساطة يقوم نواب محترمون برفض حكم قضائي صادر عن المحكمة الدستورية العليا في الكويت؟
إذا كان النواب الذي يناط بهم التشريع وصناعة القوانين يصفون حكم المحكمة الدستورية بأنه باطل ومنعدم الأثر،فماذا يقول المواطن العادي؟
انا لا أريد أن أنصر طرفا على طرف،ولا أريد أن أتدخل في الشأن الكويتي بأي شكل،ولكنني أنزعج جدا عندما أرى تشكيكا في حكم قضائي،مهما كان الطرف الذي صدر له أو ضده هذا الحكم،خاصة عندما يأتي التشكيك من النخبة أو من بعض رجال القانون،سواءا كانوا محاميين أو غيرهم ممن يؤثر رأيهم على فئات الشعب العادية،لأن هؤلاء في الواقع يطعنون القضاء ويهزون ثقة الناس فيه كملاذ أخير مضمون بالنسبة لهم.
يأتي مجلس أو يذهب آخر،تأتي حكومة أو ترحل أخرى،هذا أمر بسيط،ولكن تهديد استقرار دولة بكاملها،خاصة عندما تكون هذه الدولة ناجحة اقتصاديا واجتماعيا وتعليميا،هو أمر مرفوض تماما،لأننا بذلك نحول القوانين والدساتير والبرلمانات إلى غايات غير التي وجدت من أجلها.
ليست هذه دعوة لترك الحقوق الشخصية أو الحقوق السياسية،ولكنها دعوة للاحتكام للقانون والاحتكام للعقل،وإعلاء المصلحة العليا للبلاد على ما سواها من مصالح،فعدم الرضا عن قرار أصدرته محكمة،يكون باللجوء إلى محكمة أخرى واتباع أساليب الطعن المعروفة حسب ما يسمح به القانون ،وليس بالدعوة للفوضى وخراب البلاد.
حفظ الله الكويت وأهلها من كل مكروه..