هذا العنوان من تأليف الفنان المحرقي، واستخدمه للتعليق على مأساة الـ 800 شاب الذين غرقوا الأسبوع الماضي في القبر الذي استقبل خلال أقل من عام 1600 شاب، الذي كان يسمى قديما البحر الأبيض المتوسط، وقرأنا عناوين كثيرة لمقالات ومواد صحافية كثيرة تناولت هذه المأساة التي تشكل صفعة على وجه العالم المتقدم الذي يرفع شعارات وينادي بحقوق وحريات ويقوم ولا يقعد إذا أهينت قطة أو كلبا، ومن بين ما قرأنا أن الدول التي كان هؤلاء المساكين يكافحون من أجل الوصول إلى شواطئها بحثا عن لقمة أو هروبا من جحيم الظلم والجوع، ستجتمع في بروكسل لكي تبحث المشكلة.
ولكنني لم أقرأ أبلغ ولا أكثر تأثيرا من الرسالة التي وجدت في جيب الشاب السوري الذي كان من بين هؤلاء الغرقى والتي يصح أن يقرأها المؤتمرون الأوروبيون في مؤتمرهم لعلهم يدركون معنى أن يهرب إنسان من الموت إلى الموت.
وسواء كانت الرسالة التي نقلتها وكالة الأناضول للأنباء وتداولها الشباب على الفيسبوك، حقيقية أم مفبركة،فهي خير تعبير عن مشاعر المقهورين والجوعى والهاربين من الموت إلى الموت:
“أنا آسف يا أمي لأن السفينة غرقت بنا ولم أستطع الوصول إلى هناك (يقصد أوروبا)، كما لن أتمكن من إرسال المبالغ التي استدنتها لكي أدفع أجر الرحلة (يتراوح أجر الرحلة البحرية للوصول إلى أوروبا بطريقة غير شرعية ما بين ألف إلى 5 آلاف يورو بحسب دولة الانطلاق وعوامل أخرى مثل صلاحية المركب وعدد الوسطاء وغيرها).
لا تحزني يا أمي إن لم يجدوا جثتي، فماذا ستفيدك الآن إلا تكاليف نقل وشحن ودفن وعزاء.
أنا آسف يا أمي لأن الحرب حلّت، وكان لابد لي أن أسافر كغيري من البشر، مع العلم أن أحلامي لم تكن كبيرة كالآخرين، كما تعلمين كل أحلامي كانت بحجم علبة دواء للقولون لك، وثمن تصليح أسنانك.
بالمناسبة لون أسناني الآن أخضر بسبب الطحالب العالقة، ومع ذلك هي أجمل من أسنان الديكتاتور (في إشارة إلى بشار الأسد).
أنا آسف يا حبيبتي لأنني بنيت لك بيتاً من الوهم، كوخاً خشبياً جميلاً كما كنا نشاهده في الأفلام، كوخاً فقيراً بعيداً عن البراميل المتفجرة وبعيداً عن الطائفية والانتماءات العرقية وشائعات الجيران عنا.
أنا آسف يا أخي لأنني لن أستطيع إرسال الخمسين يورو التي وعدتك بإرسالها لك شهرياً لترفه عن نفسك قبل التخرج. أنا آسف يا أختي لأنني لن أرسل لك الهاتف الحديث الذي يحوي “الواي فاي” أسوة بصديقتك ميسورة الحال.
أنا آسف يا منزلي الجميل لأنني لن أعلق معطفي خلف الباب. أنا آسف أيها الغواصون والباحثون عن المفقودين، فأنا لا أعرف اسم البحر الذي غرقت فيه.. اطمئني يا دائرة اللجوء فأنا لن أكون حملاً ثقيلاً عليك. شكراً لك أيها البحر الذي استقبلتنا بدون فيزا ولا جواز سفر، شكراً للأسماك التي ستتقاسم لحمي ولن تسألني عن ديني ولا انتمائي السياسي. شكراً لقنوات الأخبار التي ستتناقل خبر موتنا لمدة خمس دقائق كل ساعة لمدة يومين.. شكراً لكم لأنكم ستحزنون علينا عندما تسمعون الخبر.
أنا آسف لأنني غرقت”.