زيادة نسبة العنوسة وتأخر سن الزواج أصبحت ظاهرة غاية في الخطورة في عالمنا العربي، ومع ذلك تعتبر من المشكلات المسكوت عنها إلى حد كبير، فهي لا تلقى سوى مناقشات أو حوارات تُجرى من وقت لآخر داخل بعض الغرف المغلقة وتنتهي إلى توصيات لا ينتج عنها أي تأثير على أرض الواقع.
العنوسة تطلق على الفتيات وترتبط بهن لأن الرجل يستطيع الزواج في أي سن، بينما المرأة ترتبط بتقسيم بيولوجي يتعلق بالخصوبة والقدرة على الإنجاب، والعنوسة لها تأثير ضار على الفتاة يظهر في صورة قلق واضطراب وتشاؤم وخوف من المستقبل.
وتقول الإحصائيات إن نسبة غير المتزوجين من الشباب في مصر تبلغ 37 % وإن هناك 20 مليون امرأة في سن الزواج والإنجاب، منهن 8 ملايين فاتهن قطار الزواج ولم يتزوجن، و3 ملايين ارتبطن بعقود عرفية.
وهذا يعني ببساطة أن بين كل عشر فتيات في مصر توجد واحدة متزوجة عرفيا واثنتان مطلقتان وواحدة أرملة وأربعة فتيات بلغن سن الزواج ولم يتزوجن.
كما بينت الدراسات أن أكثر من 35 % من الفتيات في الكويت وقطر والبحرين والإمارات بلغن سن العنوسة، وأن 50 % من الشباب السوريين لم يتزوجوا بعد.
ومن دون إطالة، فإن من يطلع على الإحصائيات يجد النسب متقاربة في كل الدول العربية، وحتى الدول الخليجية ذات الدخل المرتفع تعاني كلها من هذه الظاهرة التي تهدد الأسرة ككيان اجتماعي شرعي ووحيد لبقاء النوع البشري.
ويرجع المتخصصون زيادة نسبة العنوسة إلى زيادة عدد الإناث على الذكور والبطالة وأزمة الإسكان والمغالاة في مطالب الزواج التي يعجز أمامها الشباب المقبل على الزواج وهو في بداية حياته العملية. ويضاف إلى هذه الأسباب أسباب أخرى مرتبطة بالعصر الذي نحن فيه مثل الآراء التي تدعو إلى تبني أشكال أخرى للارتباط كالصداقة والاقتران والزواج من نفس الجنس. وهناك دول قامت بالفعل بسن تشريعات وقوانين تنظم هذه الأشكال الأخرى للارتباط.
المشكلة بالنسبة لهذه الظاهرة أن الحلول التي جرى ويجري اقتراحها من أجل حلها لا تخرج إلى خارج الغرف المغلقة التي تجري بها المناقشات والحوارات الخاصة بالظاهرة ولا يوجد أي إجراءات عملية على الأرض تساعد في التصدي لها. فجميع الحلقات النقاشية والدراسات والمحاضرات والندوات تتمخض عن نفس التوصيات، فالجميع يطالب بعدم المغالاة في المهور ومطالب الزواج وتشجيع ورعاية حفلات الزواج الجماعي وإنشاء صناديق لمساعدة المقبلين على الزواج، وتوفير فرص عمل للشباب، ولكن لا أحد يطالب بتشجيع القادرين على الزواج بأكثر من واحدة، خوفا من الاصطدام بالحركة النسائية والدعوة إلى تمكين المرأة، على الرغم من أنه حل شرعي لتزويج العازبات وبناء الأسرة.
لا أريد أن أزعج الحركة النسائية ولا أريد التدخل فيما هو من شأن علماء الدين، ولكن المشكلة التي نحن بصددها قد بلغت حدا مخيفا وهي في تزايد مستمر، ولا بد من تشجيع كل الحلول الشرعية لأن هذه المشكلة تهدد الأسرة ككيان اجتماعي لا بديل له في المجتمعات الإسلامية، خصوصا في ظل زيادة النزعة الاستقلالية لدى الفتيات اللاتي يملكن الوظائف أو الأعمال التي تمكنهن من الاستقلال الاقتصادي والعيش بحرية بعيدا عن سيطرة وتحكم الرجل في ظل الزواج الشرعي.