عندما تضطرم الفتنة في البلاد يكون الأمل في العلماء وأصحاب العقول الراجحة لكي يطفئوا نار هذه الفتنة ويجنبوا البلاد شر الخراب والدمار.
ولكن لا قدر الله إذا لم يقم العلماء بدورهم الذي يرضاه الله ويصب في مصلحة البلاد ويعصم دماء المسلمين، فهذه هي الطامة الكبرى.
وإذا كان علماؤنا الأجلاء يرددون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو أنّ أهلَ السماء وأهلَ الأرض اشتركوا في دمِ مؤمن لأكبَّهم الله في النار)، هل يجوز لمسلمين أن يقتلوا أو يتسببوا في قتل مسلمين مثلهم من أجل كرسي الحكم؟.
كنا نود من عالم كبير كالدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين أن يتجرد من انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين ومن هواه السياسي عندما أطلق فتواه التحريضية التي يدعو فيها كافة دول المنطقة إلى رفض التغيير الذي وقع في مصر عقب ثورة الثلاثين من يونيو الماضي.
الدكتور القرضاوي نسي أن الشعب المصري خرج في كافة أرجاء مصر وطالب بسقوط حكم الإخوان بعد عام من الفشل الذي كاد يجر البلاد إلى الخراب، وأصر على تأييد جماعة الإخوان، ووصف ما جرى في مصر بأنه انقلاب وليس ثورة.
ألا يعلم الشيخ أن فتواه هذه تسكب الزيت على النار وتشعل النار في قلوب شباب الإخوان الذي يتصرف الآن كالأسد الجريح ويريد أن يفرغ شحنات غضبه في أي عدو يحدده له القرضاوي؟.
هذه الفتوى التي أطلقها القرضاوي تزيد من حالة الاستقطاب التي تعيشها مصر حاليا وتضع غطاء مقدسا لتصرفات شباب الإخوان غير المسؤولة، خاصة بعد قيامهم بمغامرة الهجوم على دار الحرس الجمهوري وما نتج عن هذا الهجوم البائس من خسارة في الأرواح بلغت 51 شخصا إلى جانب مئات من المصابين!.
أي كرسي هذا الذي تسيل من أجله دماء المسلمين؟ وأي كرسي هذا الذي يجعل القرضاوي يخالف علماء الأزهر الأجلاء ويفتح حالة من الانشقاق بينهم في لحظة كان من الواجب أن يكونوا جميعا على قلب رجل واحد في سعيهم للقضاء على شبح الحرب الأهلية الذي بات يحلق في سماوات مصر.
لماذا لم يصدر الشيخ القرضاوي فتواه التي تمنع مليشيات الإخوان المسلمين وقناصة حركة حماس من قتل المصريين من فوق أسطح العمارات؟.
لقد رأى العالم كله على الانترنت مشهدا غاية في القسوة والتجرد من المشاعر الإنسانية، عندما قام ذلك الشيخ الملتحي بإلقاء الشباب المعارضين للرئيس مرسي من فوق إحدى البنايات في مدينة الإسكندرية ليلقوا حتفهم دون أن يرف له جفن، فهل هناك مشهد أبشع من هذا؟.
فهل رأى الشيخ القرضاوي هذا المشهد أم لا؟ وهل رأى ذلك الاخواني الذي يقتل أخا له لكي ينسب قتله للجيش المصري ويستعدي عليه الداخل والخارج؟.
وهل يرضى الرئيس المصري المعزول أن يأتي إلى الحكم بسفك دماء أبناء شعبه، سواء كان عزله مستحقا أو غير مستحق؟.