إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر
هكذا قال الشاعر التونسي الخالد، وهكذا هتف أبناء تونس أثناء مظاهراتهم من أجل التغيير، وكان لهم ما أرادوا.
ولا شك أن اللحظة التاريخية التي تمر بها تونس ويمر بها الشعب التونسي الشقيق الآن تتطلب من العرب جميعا أن يكونوا حاضرين فيها، ولا يجب أن تكتفي الحكومات العربية بمجرد بيانات مهذبة عن احترامها لخيارات الشعب التونسي.
فالشعب التونسي اختار تغيير النظام الحاكم بالأسلوب الذي تابعناه على شاشات التلفزة، والرئيس زين العابدين بن علي رحل عن تونس بعد أن وصلت الأمور إلى مرحلة اللاعودة وطالبت الغالبية من أبناء تونس برحيله، والرئيس بن علي بخيره وشره (ولا يوجد حاكم بلا عيوب)، هو رجل واحد من أبناء تونس، وعهده هو مجرد لحظة في تاريخ تونس، ومضت هذه اللحظة وكان ختامها دراميا على النحو الذي جرى.
ومعنى ذلك أن الآتي هو الأهم وأن تونس وشعبها الشقيق هو الأهم ويجب أن نقف معه في هذه اللحظة التاريخية، والوقوف لا يكون بمجرد التعبير عن الانبهار من قبل الشعوب العربية، والتحفظ والبيانات المهذبة من قبل الحكومات العربية، ولكنه يكون باتخاذ إجراءات عملية تساعد الشعب التونسي على اجتياز هذه المرحلة وتحدياتها الكبيرة.
ومن أخطر التحديات التي تواجه الشعب التونسي هذه الأيام، تحدي استتباب الأمن في البلاد، وعدم الاستجابة لمحاولات إسقاط تونس في مستنقع الانفلات الأمني الذي يمكن أن يأتي على الأخضر واليابس ويحول أحلام التونسيين في التغيير إلى كوابيس.
لاشك أن هناك من يفعل ذلك في الوقت الحالي، خاصة الفئة التي سيكون التغيير ضد مصالحها من رجال الرئيس السابق، هؤلاء الذين لم يرحلوا عن تونس كما رحل الرئيس، ولكنهم بقوا وحدهم بدون ولي نعمتهم ليواجهوا نقمة الشعب ويواجهوا شظف العيش وفقدان السلطة والمكانة بعد رحيل الرئيس.
وهناك أيضا المأجورون معدومو الوطنية والولاء الذين يظهرون في الظلام مثل الخفافيش ويعملون لصالح من يدفع لهم، ولا يعنيهم أن تسقط تونس في الفوضى وتتحول إلى صومال جديد.
ولذلك يجب على العرب الوقوف إلى جانب الحكماء من أبناء تونس ومساعدتهم على المرور الآمن من هذه اللحظة التاريخية، فتونس في حاجة إلى مساعدة العرب مثلها مثل فلسطين في هذه اللحظة.
سمعنا عن تشكيلات شعبية يتم تكوينها لحفظ الأمن في كل منطقة على حدة والتصدي لعمليات النهب في غياب المسؤولين عن الأمن، وهذا شيء جيد ويجب تعميمه في أرجاء تونس. وأتمنى عند نشر هذا العمود أن يكون الأمن استتب تماما في تونس، وأن يصبح كلامي في هذا الشأن بلا أي معنى.
ويجب مساعدة الأشقاء في تونس على الجلوس مع بعضهم البعض دون إقصاء أو تهميش لكائن من كان من أجل الوصول إلى الصياغة الصحيحة لأهداف المرحلة القادمة والإعداد لانتخابات حرة ونزيهة يفخرون بها ويحترمها العالم، ويعدون من أجل بناء مؤسسات ديمقراطية تجعل السلطة الحقيقية بيد أبناء تونس وليس بيد الحاكم وحده، وبالتالي يستطيعوا أن يجنوا ثمار تضحياتهم.
ونحن على ثقة أن تونس، بشعبها المثقف الواعي وبالإرادة القوية لهذا الشعب العظيم، سوف تمر من هذه المرحلة الانتقالية وسوف تضرب المثل لكثير من الدول العربية في هذا الشأن.
زبدة القول:
يقول أبوالقاسم الشابي أيضا:
إذا ما طمحت إلى غاية ركبت المنى ونسيت الحذر…
ومن لا يحب صعود الجبال يعش ابد الدهر بين الحفر.