الضجة الكبيرة وحالة الصدمة التي أصابت شعوب الخليج العربي، عقب الاتفاق النووي الذي تم بين دول الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، هي ضجة مستحقة، فالشعور العام لدى الخليجيين الآن هو أن الاتفاق الذي تم هو اتفاق علينا نحن أهل الخليج.
هذا الإحساس بالخطر من قبل الشعوب الخليجية له أسباب تاريخية أخرى، وهي قناعة هذه الشعوب أن الولايات المتحدة على وجه الخصوص، يمكن أن تتخلى عن أي حليف في أي وقت ودون أدنى مقدمات، ويمكنها أيضا أن تتناسى أي شعارات رفعتها أو أي قيم طالما نادت بها وسعت لفرضها على غيرها، طالما أن هناك صفقة تفيدها، ولا يستثنى من هذه القاعدة سوى إسرائيل.
بعد سنوات من التهديد تركوا إيران تخصب اليورانيوم ووضعوا بنودا أعلنوها للعالم وبرروها، ولكن هذه البنود لم تقنع شعوب الخليج ؛ لأن هذه الشعوب تشعر بوجود اتفاق وأمور خفية بين أمريكا وإيران بالذات، وأن أي أمور خفية بين هاتين لن تكون أبدا في مصلحة الدول الخليجية، وحتى لو لم تكن هناك صفقات سرية، فهذا الاتفاق في حد ذاته يشكل درجة أو درجات من التنازل من قبل الغربيين لصالح إيران خلال رحلة التفاوض والضغوط التي بدأت منذ سنوات طويلة.
فما الذي يمنع أن تستفيد إيران من لعبة الوقت وتمارس التخصيب بالقدر والكيفية التي سمحوا بها، ثم تعود في المستقبل وتنقض الاتفاق وتدخل في مرحلة جديدة، خاصة إذا حدثت في العالم تغيرات غيرت موازين القوة الحالية ولم تعد أمريكا قادرة على تهديدها أو تهديد غيرها؟
ولذلك فالشعوب الخليجية التي تشعر بالخطر في هذه اللحظة، بدات تتجه بعقولها وقلوبها إلى الشقيقة الكبرى، المملكة العربية السعودية، وتترقب موقفا يجلب لها الاطمئنان على مستقبلها، خاصة وأن العداء الإيراني المعلن وغير المعلن للسعودية بالذات يفوق بكثير عداء إيران لأي دولة أخرى في العالم.
فهل يمكن أن تتخذ الشقيقة الكبرى قرارا تاريخيا بامتلاك برنامج نووي يحقق التوازن، ويؤمن مستقبل أبناء الخليج ويغير حالة الارتباط والتحالف مع القوى الكبرى التي مارستها دول الخليج منذ زمن طويل، وهي الحالة التي بدأنا نشعر أنها ستحولنا – على غير إرادة منا – إلى مجرد كعكة تقتسمها أمريكا مع إيران وتحقق في نفس الوقت أمن إسرائيل.
أنا كمواطنة خليجية أرى أن الأمن يسبق اللقمة، وأرى أن أي إنجاز اقتصادي يمكن أن يصبح في لحظة بلا أي قيمة في عدم وجود قوة تحميه، خاصة وأن النذالة هي الحقيقة الوحيدة المؤكدة والثابتة في العلاقات الدولية، وأن ما عداها مجرد تعابير ومفردات دبلوماسية ليس لها أي معنى.
لو كان الاقتصاد وتراكم الفوائض وحده يحمي مستقبل الشعوب وبقاء الدول، لما قامت باكستان الأفقر منا بكثير بامتلاك السلاح النووي.
نحن نعرف أن الواقع الدولي الحالي شيء وتطلعاتنا ومخاوفنا كخليجيين شيء آخر، ونعلم أن المسألة ليست بهذه البساطة وأن السعي لامتلاك سلاح نووي من قبل السعودية أو غيرها لن يقابل بالترحيب من أحد خارج العالم العربي، وقد يجلب مواقف غير متوقعة من قبل قوى دولية مختلفة، ولكن ربما يكون هذا هو الخيار الوحيد لنا وللعرب أجمعين إذا أردنا النجاة.