لقد انتظرنا قرار وزير العدل الخاص بمراقبة الخطب منذ وقت طويل، والحمد لله تحقق ما طالبنا به، لأن المنابر لا يجب أبدا أن تكون أدوات لنشر الفتنة وضرب السلام الاجتماعي في الصميم.
لن نطالب بفصل السياسة عن الدين، فكل شيء موجود في الدين وله أصوله وقواعده، ابتداء من الحكم ووصولا لدخول المرحاض، فالإسلام نظم كل شيء في حياتنا ولم يترك صغيرة ولا كبيرة.
ولكن عندما يتعامل الدين والناطقين باسم الدين مع أي قضية يجب أن يبقى ويبقوا طاهرين بعيدين عن الكذب والمزايدة وتحريف الحقائق وتأويل الآيات والأحاديث حسب الهوى.
رجل الدين ليس كرجل الانتخابات الذي يسعى بكل السبل للحصول على أصوات الناخبين، بالمزايدة تارة،وبالوعود الوردية تارة، وبسب الخصوم تارة، وبالتمسح بالدين تارة أخرى.
ولكن رجل الدين شيء آخر، فليس له أن يزايد أو يحرض او يصفي حسابات خاصة، أو ينفذ مخططات، أو ينشر فكر أعداء الدولة من فوق منبر رسول الله.
ولأن رجال الدين لدينا ليسوا شيئا آخر، ولأن الجميع مبتلى بداء الطائفية وبالسعي لتحقيق مصالح معينة بعيدة عن قداسة المنبر وطهر الدين ورسالته السامية، فكان لابد من وضع آلية معينة لرقابة المنابر بعد أن هبط بها أهلها بشكل لا نظير له عبر التاريخ.
الكلمة تصنع الرجال وتصنع الأمم، والكلمة أيضا تفشي السلام وتصنع الوئام والحب بين الناس وتنهي الخصومات والحروب، والكلمة أيضا تشعل الحروب وتسبب الخراب والدمار وتسقط أمما وتأخذها إلى مزبلة التاريخ.
ولذلك أخبرنا الرسول ان الكلمة الخبيثة، التي تخرب ولا تعمر، سوف تهوي بصاحبها في جهنم سبعين خريفا.
والكلمة التي تذهب بوئام الأمة وأمنها وتؤدي إلى نشر الضغينة والتفكك بين المسلمين، هي بلا شك كلمة خبيثة مهما كان الغلاف الذي تتغلف به، ومهما كانت قداسة المكان الذي تقال من فوقه، ومهما كانت مكانة من يقولها لدى أحبابه ومريديه.
خطباء المنابر بشر ككل البشر، يخطئون ويصيبون، وليسوا معصومين، وبالتالي للدولة أن تراقبهم من خلال أشخاص لديهم العلم والقدرة على تقييم الأمور ووضع كل شيء في نصابه الصحيح، ليس من قبيل الملاحقة الأمنية ولكن من قبيل الرقابة المهنية الجائزة والمعروفة في كل المهن، “وفوق كل ذي علم عليم”، ولا يجب أن ينظر أحد لنفسه على أنه أكبر من الرقابة أو أعلم من غيره ولا يجوز مراقبة آدائه.
نحن في دولة ولسنا في غابة أو قبيلة وللدولة أن تشرف على كل ما يجري فيها، حتى المنابر، طالما أن ذلك سيتم في إطار من الشفافية التامة ووفق قواعد لها اعتبارها ووجاهتها.
ولذلك نحن نرحب، بل نشيد بقرار وزير العدل الخاص بمراقبة المنابر، فعندما يتعلق الأمر بأمن البحرين وبقائها وتماسكها يجوز لنا أن نفعل أي شيء.