الربيع العربي… هل يتحول إلى خريف؟

الربيع العربي… هل يتحول إلى خريف؟

نحن لا نطرح هذا السؤال من قبيل الدعاية المضادة للثورات العربية، فنحن مع تطلعات الشعوب العربية التي عانت بالفعل من الظلم والفقر لعقود طويلة والتي كانت الثورة على الأوضاع التي عاشتها ضرورة حتمية،فالجوع هو آخر محطات السكوت الطويل للشعوب.
ولكننا نطرحه من قبيل القلق والخوف على مستقبل أكثر من دولة عربية أصابها هذا الربيع واعتقد أبناؤها أن معاناتهم انتهت وأن عهدا جديدا بدأ بالفعل يوم رحلت الأنظمة التي حكمتها سنوات طويلة.
“هل يمكن ان يتحول الربيع العربي إلى خريف عربي”؟ ليس فقط سؤال الشامتين الذين يضمرون السوء للثورات ويكرهون التغيير الذي حدث بسبب ضياع مصالحهم ومكانتهم، ولكنه أيضا سؤال القلقين الخائفين على هذه الشعوب المسكينة التي استبشرت خيرا ولا تزال تنتظر.
ربما يكون من قبيل التشاؤم طرح مثل هذا السؤال من البعض، بعد ان فرحت الشعوب العربية في دول الربيع وظنت أن الظلم والخوف قد رحلا إلى غير رجعة، ولكن ما يجري هذه الأيام في تلك الدول قد يؤدي بالفعل إلى تحويل هذا الربيع إلى خريف.
قد يقول قائل ان الأوضاع في تونس تمضي بشكل جيد وأن تونس اقتربت بشكل كبير من إحداث التغيير المطلوب وأنها ستصل إلى الاستقرار خلال العام القادم، ولكن تونس ليست مقياسا لأسباب لا يتسع المقام لذكرها.
فالأوضاع لا تزال مخيفة، وإمكانية تحول الحلم إلى كابوس قائمة بشدة، ففي ليبيا ربما يكون رحيل الدكتاتور سببا لرحيل وحدة الأراضي الليبية وظهور دويلات صغيرة وضعيفة تقاتل بعضها بعضا، كما حدث في يوغوسلافيا عقب رحيل جوزيف بروز تيتو، فالخلاف موجود وأطماع السلطة موجودة والسلاح موجود والنظام القبلي موجود بشدة، والصحراء الليبية شاسعة ومعقدة ويصعب السيطرة عليها.
وفي اليمن لا تزال الأوضاع غير مستقرة والانقلاب على الوضع الراهن وارد في أي لحظة.
بيد أن الوضع في مصر هو الأخطر، ليس فقط بسبب عدم الاستقرار الأمني والأزمات المتتالية، مثل أزمة الغاز وأزمة وقود السيارات التي سببت نوعا من الشلل في حركة البلاد أكثر من مرة، ولكن بسبب التطورات السياسية الأخيرة التي رفعت درجة حرارة الشارع السياسي في مصر إلى درجة الغليان.
فالإخوان المسلمون تراجعوا عن وعدهم الذي كانوا قد أكدوا عليه في مناسبات عدة، وهو عدم تقديم مرشح من بينهم لخوض انتخابات رئاسة الجمهورية وعدم مساندة أي مرشح إسلامي خلال هذه الانتخابات والاكتفاء بالاستحواذ على غالبية مقاعد البرلمان.
قبل أيام قليلة قرر الإخوان المسلمون ترشيح خيرت الشاطر نائب المرشد العام للجماعة لانتخابات رئاسة الجمهورية وسط حالة من الدهشة والصدمة والغضب أصابت غالبية المصريين وامتدت إلى صفوف الجماعة نفسها.
هذا القرار سيكون له تبعاته ليس فقط على الإخوان بل على مصر كلها، بعد أن استهان الإخوان بجماهير الشعب ولم يلتزموا بوعودهم كجماعة لها “كودها” الأخلاقي ولها شعاراتها كجماعة دينية استقطبت عددا كبيرا من أبناء شعبها.
يمكن للإخوان أن يقدموا مبررات منطقية لقرارهم المفاجئ، ولكنهم لا يمكن أن يستعيدوا ثقة الذين انصرفوا عنهم بسبب قرارهم هذا.
وإذا ما استأثرت جماعة الإخوان بكل المقاعد التنفيذية بعد أن نالت نصيب الأسد في التشريعية، فسوف تخسر شعبيا وسوف يشعر الناس أنهم صورة أخرى للحزب الوطني الذي عانوا منه سنوات طويلة، وهذا سوف يضعف شوكة الإخوان عندما يتعرضون لأي خطر خارجي، خاصة أن الأوضاع الاقتصادية في مصر تشكل تركة ثقيلة ستكون كفيلة بإسقاط أي حكومة مهما كانت خبرتها السياسية والاقتصادية.