عندما حدثت احتجاجات شعبية في السودان قبل حوالي عام للمطالبة بالتغيير الديمقراطي وغيره من المطالب الاجتماعية،كتبت في هذه الزاوية متسائلة حول مدى استجابة الرئيس عمر البشير لهذه الاحتجاجات وتمنيت لو أنه ضرب مثلا مختلفا عن غيره من رؤساء الجمهوريات العربية التي دب فيها الفساد والركود السياسي والاقتصادي،وقلت أن الرئيس البشير يمكنه أن يجنب نفسه وبلده من شرور كثيرة وأن يصنع الأفضل بنفسه دون أن يجبره أحد عليه ويوفر مقدرات بلاده التي تحتاج لكل دينار وكل فلس.
تذكرت هذا الكلام يوم الاثنين الماضي الأول من أبريل الجاري عندما تابعت الرئيس البشير على الشاشات وهو يعلن عن العفو عن كل السجناء السياسيين في بلاده والإعلان عن فتح حوار تحضره جميع القوى السياسية في السودان حتى القوى التي حملت السلاح، وكان البشير قبل يوم أو يومين من هذه التصريحات قد أعلن عن نيته عدم الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة في السودان،وهو إعلان يجعل ما بعده من التصريحات والوعود قابلا للتصديق لدى القوى السياسية ولدى المهتمين بالشأن السوداني.
فهل يمكن بالفعل أن يقدم الرئيس البشير المثل الذي لم يقدمه غيره ،خاصة الرؤساء الذين دخلت دولهم ( الربيع العربي) في مرحلته الثانية والثالثة،مثل معمر القذافي وبشار الأسد.
حسني مبارك قال أن مصر ليست تونس وأن ما حدث في تونس غير قابل للتكرار في مصر،ولكن حساباته لم تكن صحيحة،والقذافي اعتبر أن من قاموا بالثورة جرذانا سيتم تعقبهم “زنقة زنقة،”وانتهى الأمر بقتله بطريقة درامية مريرة،وبشار الأسد لم يستفد من تجربة هذا ولا ذاك،فأصبحت خسارته أو تقسيم بلاده أمرا محتوما بعد أن فقدت سوريا بنيتها التحتية وتدمرت بأيدي أهلها نيابة عن الأعداء.
فهل يكون البشير هو الرجل الوحيد الذي استوعب الدرس وفطن إلى ما لم يفطن إليه غيره،خاصة وأنه الحاكم السوداني الذي انقسم السودان في عهده إلى شمال وجنوب؟
الرئيس السوداني – إن استطاع أن يفي بوعوده – يمكنه أن يجنب بلاده انهيارا اقتصاديا وربما تقسيما جديدا،لأن السودان بلد كبير المساحة متعدد الفصائل وبه الكثير من التناقضات وتضارب المصالح بين القوى المختلفة وبالتالي ستكون فاتورة الصراع باهظة الثمن،لا قدر الله لو انطلق هذا الصراع.
الرحيل عن السلطة مهما طال زمن الإمساك بها أمر حتمي مثل الرحيل عن الحياة، ومن لم يرحل بالصندوق رحل بغيره كما حدث للرؤساء العرب ممن أخطأوا في حساباتهم.
وإذا كان التاريخ يحترم الرؤساء الذين يرحلون بالصندوق ويحترمون إرادة شعوبهم ،فإنه سيكون أكثر احتراما وتخليدا للرؤساء الذين يصنعون التغيير بأيديهم قبل أن يفرضه عليهم أحد ويمهدون الطريق لمن يخلفهم مجنبين بلادهم صراع السلطة وتدمير الاقتصاد ولا يكونوا كالذي قال لشعبه “ عليكم أن تختاروا بيني وبين الفوضى “،أو الذي جعل بقاءه في كفة وبقاء الدولة بكاملها في كفة أخرى.
مع دعواتنا بالتوفيق للرئيس البشير وللشعب السوداني في إنجاح هذا الحوار وإعلاء المصلحة العليا للسودان فوق أي مصلحة أخرى و الوصول إلى ما ينفع السودان ويجنبه الصراع والدمار،وبهذا يكون البشير قد كتب تاريخه بيديه.