كتبتُ من قبل أن اليمن يمثل بقعة إستراتيجية غاية في الأهمية والخطورة للعالم العربي، ففيه تقع إحدى البوابات المهمة لهذا العالم، وقد اتضح ذلك خلال حرب أكتوبر 1973 بين العرب وإسرائيل.
والقوى الدولية والإقليمية تدرك ذلك بلا شك منذ زمن طويل، واليمن لهذا السبب يمكن أن يستخدم من قبل هذه القوى لابتزاز الأمة العربية والإضرار بها، وفي مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي.
وما يجري في اليمن منذ فترة هو محاولة لهزّ استقرار اليمن وتحويله إلى دولة فاشلة ليكون ذلك مبررا لوضع مسمار جحا في هذه المنطقة كمقدمة للتضييق على السعودية.
وهذا هو ما تريده دول إقليمية تسعى إلى تمديد نفوذها في المنطقة ومساومة بقية دول العالم عن طريق هز استقرار المنطقة برمتها، وما أدراك ما أهمية هذه المنطقة للعالم أجمع. فهز أمن المملكة العربية السعودية – التي هي الهدف الأصلي من اللعب بورقة الحوثيين – معناه اضطراب المنطقة بكاملها.
وبعد أن نجحت السعودية في توجيه ضربات موجعة وحاسمة للإرهاب الداخلي، كان لابد لهذه الدول الإقليمية أن تسعى على الأقل لزرع بؤرة توتر على الحدود السعودية لتوتيرها ومساومتها إن أمكن.
ولم يكن دخول الحوثيين الخارجين على القانون في بلدهم إلى الأراضي السعودية إلا محاولة على طريق تحقيق هذا الهدف الذي وُوجه بحسم وقوة من قبل القوات السعودية.
والآن، أصبح اللعب على المكشوف، فوزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي – الذي اعتبرت بلاده بعض الكتابات الصحافية عن الانتخابات الإيرانية تدخلا في الشأن الإيراني – خرج علينا بلا أي مقدمات ليحذر دول الجوار من التدخل في الشأن الداخلي لليمن، فمنذ متى، ولأي سبب أو حجة، أصبحت إيران وصية على اليمن أو بعض من شعبه؟
تصريحات وزير الخارجية الإيراني تشير إلى مدى الغرور الذي وصل إليه ساسة إيران في تعاملهم مع دول الجوار، ولكن العجيب أن تأتي تصريحات متكي بمثابة إشارة تحرك لشخصيات وجمعيات موجودة في العالم العربي، من أجل أن تدلو بدلوها في العزف على الوتر الإيراني بأشكال مختلفة.
خرج أحدهم يدعو إلى التهدئة بين السعودية وإيران ويطالب بحل مشكلة الحوثيين بعيدا عن أي خلفيات مذهبية، وكأنه يعترف ضمنيا أن إيران مسؤولة عما يجري في اليمن، وهو الذي طالما رفض هو وغيره عدم الزج باسم إيران في كل صغيرة وكبيرة.
ما هذا التزامن بين تصريحات متكي، وبين موقف جمعية سياسية بحرينية رفضت التصويت على دعم مملكة البحرين لشقيقتها الكبرى السعودية في مواجهة محاولات التعدي على أراضيها والعبث بأمنها؟
بل السؤال الأهم هو: على أي أساس قمتم بتدويل مشكلة الحوثيين على هذه النحو؟ فمسؤول إيراني يحذر دولا عربية من التدخل في الشؤون الداخلية لدولة عربية أخرى، ورئيس إحدى المليشيات العربية يطالب بالتهدئة بين إيران والسعودية؟ ألا يتعارض هذا مع محاولات سابقة لتنظيف الثوب الإيراني من مسألة الحوثيين؟
لقد نسي هؤلاء أو تناسوا أن السعودية عندما وجهت ضرباتها للحوثيين الخارجين عن القانون كانت تدافع عن حدودها وتحمي أمنها، واتخذوها مناسبة وذريعة للوصاية والتدخل وتحريك الأذناب هنا وهناك.
من حق السعودية أن تحمي حدودها وأمنها، ومن حق بقية دول مجلس التعاون أن تنزعج لأي محاولة تعدٍّ على السيادة السعودية مهما صغرت، وأن تعلن تأييدها المطلق ووقوفها مع الشقيقة الكبرى، ولا يمكن أن يتخيل أحد أن يكون هناك أي فرق في هذا الشأن بين موقف حكومي وآخر شعبي؛ لأن أي موقف آخر لا تعريف له سوى الخيانة.