الحذاء الرمز!

الحذاء الرمز!

يمكن أن يتحول إنسان ما إلى رمز نظرا لعمل كبير قام به في حياته،عمل يجعله يستحق أن يخلد لأنه خالف طبيعة البشر ونسي الخوف والجبن والحرص على الحياة، ونسي كل الماديات، وقرر أن يقوم بعمل نادر ما يقوم به غيره.
ويمكن أن يتحول يوما ما إلى رمز لأنه شهد شيئا رائعا أو شيئا حزينا، جعل الناس يحتفلون به ويتخذونه أداة لبث القيم وزرع الشجاعة والإقدام في نفوس أبنائهم.
ويمكن لأشياء كثيرة أن يكون لها ذات الاهتمام والتقديس لدى الناس، مثل شجرة مثلا، أو بئر في صحراء، أو نهر أو جبل أو غيرهم.
بل يمكن لحذاء معين أن يتحول إلى رمز، رغم أن الحذاء هو أكثر شيء يهينه الناس من بين ما يرتدونه من ملابس وأدوات، لأنهم يطأون بها الأرض فتعلق به القاذورات، خصوصا إذا كان هذا الحذاء مملوكا لواحد من عامة الشعب الذين يمشون في اماكن بها اشياء تقوم بتلويث أحذيتهم.
ولكن إهانة الحذاء وتلويثه السر وراء تحويل هذا الحذاء إلى رمز يجعل البعض يسعى إلى شرائه، وهو القديم المتهالك، بملايين الدولارات، مثلما حدث لحذاء الصحافي العراقي منتصر الزيدي، الذي رشق به الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، وهو يصيح “هذه قبلة الدواع يا كلب.. هذه رسالة الأرامل وأبناء الشهداء الذين قتلتهم في العراق”.
وبالمناسبة، قام منتصر الزيدي مؤخرا بإماطة اللثام عن سر عدم قيامه ببيع الحذاء الرمز بعشرة ملايين من الدولارات، أو عدم عمل مزاد عليه في بغداد أو في غيرها، حيث قال لجريدة “المصري اليوم” إن الأميركيين خافوا أن يتحول هذا الحذاء إلى رمز، فقاموا بتمزيقه ثم فرمه وحرقه لكي لا يتركوا منه أي أثر!
تذكرت وأنا اقرأ حوار منتصر الزيدي، وأنا بالمناسبة أعرف أن اسمه “منتظر” الزيدي، ولكنني قررت منذ وقت مضى أن أسميه “منتصر” الزيدي.
تذكرت وأنا أقرأ حوار الزيدي أشياء كثيرة كانت قد أضحكتني في حينها، تذكرت ما قاله لي المستشار الاعلامي في السفارة المصرية بالبحرين، وأنا اجلس إلى جواره في أمسية ثقافية بحرينية، عقب حادثة حذاء الزيدي في عام 2008، قال لي مازحا، أو هكذا اعتقدت أنا، إن الحذاء الذي ألقي على وجه بوش كان صناعة مصرية، وإن الزيدي اشتراه من مصر، وقلت له ضاحكة، هل الحذاء أيضا من القوة الناعمة المصرية التي تتحدث عنها دائما، مثل السينما والمسرح والثقافة، ولكنني دهشت عندما صرح الزيدي نفسه قبل أيام أن الحذاء بالفعل صناعة مصرية.
ويبدو أن الرئيس المصري السابق محمد مرسي ومن قبله حسني مبارك قد منعا الزيدي من دخول مصر طوال السنين التي مضت لسببين (وهذا تخمين مني وليس من كلام الزيدي) السبب الأول أن أيا منهما لم يكن يعرف ان الاحتلال الأميركي للعراق والدمار والخراب الذي حل به، كان مبنيا على كذبة كبيرة، والسبب الثاني هو يقين الرئيس مرسي أن السي أي إيه عرفت أن الحذاء الرمز صناعة مصرية، وهو ما من شأنه أن يضر بعلاقة الاخوان المسلمين الاستراتيجية بأميركا!
وهذا ما يفسر أيضا لجوء الزيدي إلى الهند لعرض مسرحية القبلة الأخيرة (التي تحكي قصة حذائه مع رئيس أكبر دولة في العالم)، بدلا من القاهرة، خوفا من جماعة الإخوان أو جماعة الكيزان كما يسميها إخواننا في السودان.