هذا الأسبوع أذاعت وسائل الإعلام مشهدا غاية في التأثير لضباط وجنود القوات الجوية المصرية وهو مشهد اصطفافهم أمام أحد البنوك وفروعه المختلفة في المحافظات لكي يتبرعوا بأجزاء من مرتباتهم، كل حسب إمكانياته، لصالح صندوق “تحيا مصر”، ذلك الصندوق الذي أسسه رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي عندما تبرع لمصر بنصف ثروته التي ورثها عن والده من أجل إنقاذ الاقتصاد المصري من عثرته الحالية.
هذا المشهد هو درس جديد في الوطنية يقدمه جنود مصر وضباطها ضمن دروس كثيرة سابقة رأيناها وتعلمنا منها وأثرت فينا كما أثر فينا مشهد السيدة المصرية الفقيرة التي ذهبت لتتبرع بمصوغاتها البسيطة لصالح هذا الصندوق تعبيرا عن خوفها على بلدها وأصبحت أيقونة ورمزا للوطنية والانتماء عندما أمر الرئيس السيسي بوضع مصوغاتها في متحف رئاسة الجمهورية لتبقى تاريخا يحكى ودرسا في الوطنية يتم تعليمه للأجيال القادمة.
جنود مصر وضباطها يواجهون الموت ليلا ونهارا خلال تصديهم للحملة الإرهابية الحقيرة التي تستهدف بقاء مصر على الخريطة بكل شجاعة وبسالة، ورأينا جميعا حادث “الفرافرة” حيث استشهد فيه عشرات منهم دفاعا عن شرف مصر وحماية شعبها، ومع ذلك لم يتوقف الدور عند هذا الحد، فالجيش يعرف أن دوره هو الحماية من كل الأخطار والحفاظ على الأمن القومي بكل تفاصيله ومكوناته وليس فقط حماية الحدود ومواجهة فلول الإرهاب.
هم يواجهون الخطر أينما وجد ووجدوا أن الخطر الحالي يكمن في الاقتصاد أيضا، خصوصا أن صناع الإرهاب ورعاته يستخدمون الاقتصاد في إفشال المرحلة الحالية، سواء بالتضييق على مصر اقتصاديا، أو بإثارة الناس على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يعانون منها.
إننا نكتشف كل يوم سببا جديدا من الأسباب التي منعت سقوط مصر في الفوضى التي سقطت فيها غيرها من الدول العربية ونكتشف دليلا جديدا على أن الجيش المصري كان الرقم الصعب أمام أصحاب المؤامرة الكبرى التي استهدفت مصر أكثر من غيرها، واستخدمت ضدها أدوات أشد فتكا من التي استخدمتها مع غيرها.
إنه الجيش المصري، مصنع الرجال ومدرسة الوطنية، وإنه الوطنية والولاء للوطن والوعي الثاقب للمصريين البسطاء الذين لا يضحون بوطنهم ولا يخونونه رغم ظروفهم الاجتماعية الصعبة.
لقد سمعت مرة أن فلاحا مصريا بسيطا رد على الإخوان المسلمين الذين يقومون بتحريضه على الرئيس السيسي وحكومته مستغلين ارتفاع الأسعار، قائلا: “سوف نربط حجرا على بطوننا حتى لا نرى وجوهكم مرة أخرى”.
حتى الجوع الكافر لا يهزم الوطنية ولا يهزم الوعي لدى هذا الفلاح الفقير الذي ينقل لنا خلاصة سبعة آلاف سنة من الحضارة.
ومن نسل هذا الرجل ونسل أمثاله من الملايين جاء الجنود والضباط الذين يتكون منهم جيش مصر الذي لا يقبل أبدا أن يؤذي شعبه، جاء الجنود والضباط الذين وقفوا ضد مبارك الذي كان قائدا كبيرا بينهم، تنفيذا لإرادة هذا الشعب، ووقف ضد مرسي الذي لم يقض في الحكم سوى عام واحد تنفيذا لإرادة الشعب أيضا.