الجماعات الدينية في مصر، خاصة الإخوان المسلمون والسلفيون والجماعة الإسلامية، عاشت سنوات طويلة تحت القمع والإقصاء من العمل السياسي، وكانت طوال الوقت راضية بدور الضحية، واستطاعت خلال أكثر من خمسين عاما أن تستقطب عدد اكبيرا من الأتباع من باب التعاطف ورفض الظلم الواقع على المنتمين إليها.
وفجأة، وعلى غير توقع من هذه الجماعات، حدث التغيير الكبير، ولم تعد هذه الجماعات ضحية لأحد، وانفتح الباب أمامها على مصراعيه لتقول ما تشاء وتتحرك في البلاد وتعقد الاجتماعات دون مضايقة من الجهات الأمنية التي طالما لاحقتها.
هذه الحالة الجديدة التي لم تستعد لها الجماعات الإسلامية في مصر، جعلت بعض المنتمين إليها يتخبطون في مطالبهم وفي مواقفهم من القوى السياسية الأخرى، وفي مواقفهم تجاه بعضهم البعض، فرأينا أحد كبار مشايخ السلف، الذين عاشوا سنوات طويلة يهتمون فقط بنشر تعاليم الإسلام الصحيحة، بعيدا عن السياسة واهل السياسة، يخرج على الناس بتصريحات نارية لم تكن مألوفة عن السلفيين على وجه الخصوص، خرج يصف الاستفتاء على التعديلات الدستورية المصرية بأنه «غزوة الصناديق»، مهددا ومتوعدا الذين قالوا لا للتعديلات الدستورية، وقال ان عليهم أن يتركوا مصر ويذهبوا إلى أميركا لأنهم قالوا شيئا مختلفا عن الذي قاله السلفيون والإخوان المسلمون.
سبحان مغير الأحوال، كانوا يعيشون ويكثرون على رفض الآخر لهم، فأصبحوا الآن يقومون بنفس الدور ويمارسون الإقصاء ضد غيرهم، بل وبشكل فيه تطرف، فالشيخ محمد حسين يعقوب، لم يكتف بإقصاء الذين خالفوه في الرأي، ولكنه يريد لهم أن يتركوا البلاد بأكملها، وحدد لهم الوجهة التي ينبغي أن يذهبوا إليها.
وبعد تصريحات الشيخ يعقوب التي أغضبت كثيرين، جاءت تصريحات أخرى خلال مؤتمر لأتباع الدعوة السلفية تقول ان السلفيين سيطبقون منهجهم مهما كلفهم الأمر، «وإذا أراد النصارى أمانا فعليهم الاستسلام لحكم الله».
وبعد غزوة الصناديق التي تحدث عنها الشيخ مجمد حسين يعقوب جاءت غزوة الأضرحة التي يريد أصحاب الدعوة السلفية هدمها، وهو ما أغضب أتباع الطرق الصوفية المصرية وجعلهم يشرعون في هجوم شرس على السلفيين ويتهمونهم بالإرهاب والبلطجة.
فلمصلحة من هذا الذي يحدث؟ لا أعتقد أن شيئا مما قرأنا في هذا الشأن يفيد مصر في هذه المرحلة الحرجة بالذات، لأنه يؤدي إلى خلق حالة من العداء بين فئات المجتمع، ويشعر الأقباط بالاضطهاد وعدم الأمان ويجر مصر نحو التطرف والتطرف المضاد ويرشح الأوضاع إلى التصعيد ويدفع البلاد في طريق الفوضى.
نحن لا نريد توجيه نقد لطرف ما،رغم أن الأمثلة التي استندنا إليها ترتبط بطرف محدد، ولكننا نريد أن نوضح أن اللحظة الراهنة في مصر لا تحتمل هذا التسخين بين المسلم والمسلم وبين المسلم والمسيحي.
مصر تحتاج من الجماعات الإسلامية أن تتبنى مسئوليتها الدينية والوطنية في تهدئة الشعب ودفعه نحو العمل والسعي لنشر الوئام الاجتماعي بين الناس، حتى تستطيع أن تمر من هذه المرحلة الصعبة.