عندما انطلقت قناة الجزيرة القطرية لأول مرة كان ذلك فتحا إعلامياعربيا عظيما، وحدثت حالة من الدهشة والانبهار بين ملايين المشاهدين العرب في مشارق الأرض ومغاربها، لأن قناة تلفزيونية عربية كسرت الصمت وكسرت المألوف وأسمعت المشاهد العربي ما لم يكن يحلم به.
فقد استطاع المال الوفير أن يجلب أفضل الاعلاميين والباحثين والمترجمين والمعدين من أصحاب المهارة والخبرة لكي يصنعوا هذه الصورة المبهرة التي جعلت ملايين المشاهدين الباحثين عن الحقيقة وعن البرامج السياسية الجريئة لا يغادرونها طالما هم جالسون أمام التلفاز.
وإلى جانب المضامين المختلفة وقوة الأداء للعاملين فيها كان هناك سبب مهم لنجاح الجزيرة وهو كونها جاءت مبكرا في بدايات الثورة الفضائية ولم تولد وسط الزحام الاعلامي الذي حدث في سنوات تالية وجعل المنافسة أمرا صعبا للغاية للقنوات التي تولد وسط هذا الزحام.
ولا أحد يستطيع أن ينكر أن الجزيرة لها دورا واضحا ليس فقط في تفجير الثورات العربية، ولكن أيضا في إثارة النعرات العرقية وإحياء الفتن الطائفية ورفع درجة الحرارة الطائفية في العالم العربي إلى حد الغليان.
فقد ابتكرت “الاتجاه المعاكس” وأجلست أعداء الفكر والسياسة وجها لوجه وأعطت الفرصة ليس فقط لنقد بعضهم البعض ولكن تسفيه كل طرف للآخر وإشعال النار بين تابعيهم وتابع تابعيهم.
وقد كان لبرامج الجزيرة ومضامينها دور أيضا في تشكك الكثيرين في أهدافها واتهامهم لها بالعمالة وبخدمة اهداف دول أخرى وبدعم الصهيونية العالمية عن طريق تفتيت الدول العربية وإشغالها بنفسها والكيد لها ولأنظمتها الحاكمة حتى تحقق الهدف بنسبة كبيرة وقامت حركات شعبية عربية سميت ثورات تسببت ليس فقط في سقوط أنظمة بل في سقوط دول بأكملها.
فهل لا تزال الجزيرة، كما بدأت، محط اهتمام الجماهير العربية بعد وقوع (الثورات) التي ساهمت في اندلاعها؟ أم أن الملايين انصرفوا عنها ولم تعد تحظى بثقتهم كما كانت؟.
الاجابة على هذا السؤال جاءت خلال دراسة مسحية أجرتها جامعة “نورث وسترن” الأميركية على مدى أربعة أشهر، حيث أسفرت هذه الدراسة عن تراجع قاعدة المشاهدين لقناة الجزيرة القطرية وعن فقدان ثقة المشاهد العربي بقيم الاخبار المعلنة في القناة التي لعبت دوراً سياسياً واعلامياً في “ثورات الربيع العربي”.
وأكدت الدراسة التي عرضت أمام منتدى صناعات وسائل الاعلام في الدوحة ان شعبية قناة “الجزيرة” في طريقها الى الزوال، وأوضحت ان نسبة مشاهدي “الجزيرة” هي 4 % فقط في البحرين، و9 % في تونس، و20 % مصر.
وأكدت نتائج المسح أيضا ان محرك البحث “غوغل” مثل مصدر الأخبار الاكثر شعبية بين البحرينيين، و”فايسبوك” بين التونسيين، وقناة “الحياة” بين المصريين، وقناة “العربية” في المملكة العربية السعودية، بينما تصدرت قناة “الجزيرة” القائمة في قطر، والامارات العربية المتحدة والاردن.