“سحابة سوداء تمر فوق ميدان الإعلام المصري”، بهذه الجملة عبر وزير الإعلام المصري الأسبق، منصور حسن، عن رأيه في الإجراءات الجديدة التي اتخذتها حكومة الإخوان المسلمين تجاه وسائل الاعلام في مصر والتي تتضمن تضييقا على حرية الرأي بشكل لا يتوقعه أحد بهذه السرعة بعد الثورة التي قام بها الشعب المصري بكل طوائفه وأطاحت بنظام مبارك وأتت بالإخوان المسلمين دون غيرهم للحكم.
أما جريدة نيويورك تايمز الأميركية فنشرت مقالا تحت عنوان: “الرئيس الإسلامي المصري متهم بتكميم الأفواه”، في إشارة ضمن إشارات أخرى كثيرة في الولايات المتحدة، من بينها إعراب الخارجية الأميركية عن قلقها البالغ للتضييق على حرية الإعلام، تبين تغير اللهجة الأميركية تجاه النظام الجديد في مصر بعد التأييد الجارف الذي قدمته الولايات المتحدة للرئيس محمد مرسي خلال الفترة الماضية.
حرية التعبير من أهم الأسباب التي تقوم من أجلها الثورات، والحزب الذي خاضت به جماعة الإخوان الانتخابات وأوصلت به أحد رجالها إلى كرسي الحكم وأحد رجالها إلى رئاسة الوزراء وآخر إلى وزارة الإعلام، يسمى حزب الحرية والعدالة، فهل سيتم استثناء حرية الإعلام من برنامج حزب الحرية والعدالة؟
لقد لاحظنا أن أول ما طالب به وزير الإعلام الاخواني الكتاب في مصر، بعد توليه حقيبة الإعلام، هو ضرورة التوقف عن نقد الحكومة الاخوانية الجديدة لإعطائها فرصة للعمل وإنجاز مهامها، وهو مطلب عجيب وليس له مثيل في العالم، خاصة بعد أن قام الشعب بثورة أطاحت بنظام وأتت بآخر!
لا يجب أن ينسى الإخوان المسلمون أن الديمقراطية التي وصلوا من بابها لها ركائز ولها مكونات، من أهمها حرية التعبير، ومن بينها، أن باب هذه الديمقراطية يظل دائما مفتوحا وليس من حق من يدخل من خلاله أن يغلقه خلفه ويضع عليه الأقفال.
صحيح أن فضائيات قليلة خرجت عن المهنية وارتكبت أخطاء كبيرة خلال الفترة التي تلت الثورة، ولكن لا يجب أن تتخذ هذه النماذج كذريعة لتقليم أظافر جميع وسائل الإعلام والاستماع إلى بعض المتأسلمين الذين لا يكفون عن وصف الإعلام بالفاسد ويتهمون العاملين فيه بالزندقة.
هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم وكلاء عن الله في الأرض تسببوا بفتاواهم التي وصلت للأسف إلى إهدار دم من يتظاهر ضد الرئيس الجديد، تسببوا في قيام حشد من المصابين بالهوس الديني بمنع احد الإعلاميين من الدخول إلى عمله في مدينة الإنتاج الإعلامي والقيام بضربه بوحشية وتحطيم سيارته بطريقة لم تحدث في عهد مبارك خلال ثلاثين عاما لا شيء سوى أن هذا الإعلامي ينتقد الإخوان المسلمين في برنامجه التلفزيوني.
النقد جزء أصيل من أي نظام ديمقراطي، ولا ديمقراطية بدون نقد، ومن لا يرضى بالنقد لا يرضى بالديمقراطية، ومن يطارد الكتاب ويطارد الذين يعبرون عن رأيهم على الفيس بوك ويصفهم بالصراصير، لا يستحق المكان الذي هو فيه.
صحيح أن النظام الفاسد قد تغير وأتى غيره، ولكن مجرد تغيير النظام لم يأت للمصريين بالمن والسلوى ولم يحل مشكلاتهم الاجتماعية والاقتصادية، والفرد العادي لا يرى التغيير سوى في الوجوه فقط، فقد ذهب الذين كانوا يحلقون اللحى وأتى الذين يطلقونها، وبين أولئك وهؤلاء لا يزال المصريون ينتظرون الفرج ممن وعدوهم بجنة الدنيا وجنة الآخرة.