أي سياسة أو خطة تضعها دولة أو حكومة معينة لتحقيق هدف ما في هذه الدولة أو تلك ليست قرآنا منزلا، فهي تقبل التعديل والمراجعة من وقت لآخر، فقد تظهر بعض العيوب التي لم تكن في الحسبان، أو قد تطرأ متغيرات معينة بمضي الوقت تحتم تعديل أو تغيير هذه السياسة بالكلية.
عندما سئل سمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد عن التجنيس خلال مقابلة سموه مع قناة العربية، رد على السؤال بكل تفهم لما يثار من وقت لآخر حول هذا الملف الذي لوثته المزايدات التي تجاوزت الحدود. وقال سموه ما معناه إن وقوع بعض الأخطاء أو التجاوزات أمر غير مستبعد وإن كل شيء قابل للمراجعة. وأتذكر أن تصريحا سابقا لوزير الداخلية أعطى نفس المضمون. هذا يعني أنه لا يوجد إصرار حكومي على ترك مسألة التجنيس من دون مراجعة إلى ما لا نهاية. وهذا يعني أيضا أن الرسالة التي يريد البعض توصيلها إلى أولي الأمر قد وصلت وتم استيعابها، ولا حاجة لتكرارها واستخدامها المغرض في تهييج الناس والنفخ في النار ممن يرتدون مسوح الرهبان وقلوبهم قلوب الثعابين.
فها هي بعض الجمعيات قد عادت من جديد إلى المزايدات واستخدام المفردات ذات الدلالات الضخمة في وصف الأشياء الصغيرة مثل “تدشين العريضة الشعبية لمناهضة التجنيس” ومن قبلها “العريضة النخبوية” وغيرها من الأوصاف التي تجعل من يسمعها أو يقرأها يعتقد أن مسألة التجنيس طوفان يوشك أن يمحو المملكة برمتها من على خريطة العالم.
التجنيس أيها السادة ليس ماكينة تعمل ليل نهار بسرعة مهولة وتقذف كل مشرق شمس بعشرات الألوف من المجنسين على أرض الوطن الذي نبكيه ونطعنه في نفس الوقت. التجنيس ليست ممارسة يومية تمارسها الحكومة كصناعة الخبز وتكرير البترول، لكي نكرر كل هذا الهزل كلما أردنا حشد الناس خدمة لأهداف ضيقة لبعض السياسيين.
إذا كان مستخدمو ملف التجنيس يهدفون إلى منع تكرار أخطاء يعتقدون بوقوعها في الماضي، فقد وصلت رسالتهم مرارا وتكرارا ووجدت – في اعتقادي- درجة من التفهم من قبل المسؤولين، وبالتالي فإن تكرار العرائض والمزايدات ليس سوى اسطوانة مشروخة يجري استخدامها لتحقيق أهداف انتخابية مفضوحة.
أما إذا كانوا يريدون التعامل مع القضية بأثر رجعي وسحب الجنسية ممن حصلوا عليها بالفعل، فهذا نوع من أنواع الغباء السياسي مثل الحماقة التي أعيت من يداويها.