منذ أسابيع وأنا أعقد النية على أن أنسى السياسة ووجع السياسة وأكتب في يوم العيد كلمة مختلفة تتفق مع العيد ومعناه، وحاولت استحضار الماضي وكيف كنت أنا وغيري من الأطفال ننتظر هذا اليوم الجميل ولا نكاد نرى النوم في ليلة العيد وكأننا نحاول أن نسرع عجلة الزمن لكي يأتي النهار، وعندما يأتي النهار كنا نحرص على أن نعيش كل لحظة فيه ونحاول أن نمسك بتلابيبه حتى لا يأتي المساء وينتهي هذا اليوم الذي انتظرناه طويلا، ولكن هيهات، فكل شيء له نهاية.
والله لقد حاولت أن أكتب شيئا يتفق مع العيد وبهجة العيد المفترضة، ولكنني فشلت، فالإنسان يكتب ما يشعر به، ولا مجال للتزييف في هذا الأمر.
منذ أعوام والأمة العربية والاسلامية لا ترى العيد ولا تفرح فرحة العيد، فالدماء في كل مكان والعناء في كل مكان والصراع يهز أركانها والغربان تحلق في أرجائها، فكيف يكون العيد في هذه الأجواء التي لم ترها الأمة في تاريخها؟.
بلدنا الصغير الذي نحبه امتلأ بالضغينة والطائفية المقيتة وعلت فيه لغة العنف والارهاب والانفجارات على لغة العقل، والخوف بات يملأ قلوب الصغار والكبار ولا يترك مساحة للعيد ومعانيه وفرحته.
الارهاب لا يترك مساحة للاحساس بالأمن والأمان لأن الانسان يمشي في بلده وكأنه يمشي فوق ألغام ينتظر مصرعه بين لحظة وأخرى.
العيد فرحة وبشاشة ومودة وعطاء وصفح وتسامح وتقرب إلى الله وإلى شركاء الوطن، فمن منا يستطيع أن يمارس هذه الأشياء كما كان يمارسها في الماضي الجميل؟.
كنا قبل سنوات نتألم من شيء واحد يوم العيد وهو أن العدو الصهيوني يغتال فرحة العيد في نفوس أطفال ونساء فلسطين، ولكننا اليوم نتألم على ما يجري في العالم العربي كله، ففي مصر وفي تونس وفي سوريا وفي ليبيا أحزان تملأ معظم البيوت، والرغبة في الانتقام من الآخر باتت تملأ القلوب، وشبح الحرب الأهلية البغيضة يحلق في سماوات هذه الدول الشقيقة.
كلمات كثيرة فقدت معانيها تقريبا، لأن الجميع يزعم أنه يمتلك الحق والحقيقة والفضيلة ويغلف كل أفعاله مهما كانت وفقا لذلك، فلا يكاد الانسان يعرف الفرق بين الجهاد وبين السعي في الأرض فسادا.
هناك من يحاول أن يقنعك أن الطريق إلى الله والجنة لابد أن يمر من فوق أنقاض الوطن وفوق جماجم غيرهم من الضالين الذين لا مكان لهم على أرض هذا الوطن!.
وعلى كل فأنا أعتذر لكل من يقرأ كلماتي هذه، إن كنت قد ملأت نفسه بالغم في هذا اليوم، وأقول: كل عام وأنتم بخير، وأقول لكل أهلي الذين هم أهل البحرين كلها: حاولوا أن تحافظوا على وطنكم قبل أن تندموا كما ندم غيركم ممن أضاعوا أمنهم وسلامهم بأيديهم لأنهم كانوا يعتقدون أن الجنة على بعد خطوات ولم يجدوا سوى الجحيم بكل معانيه.