في كل العالم نجد الشعوب ومكوناتها من جماعات وأحزاب وفصائل وقوميات وملل وأديان تختلف حول أشياء كثيرة في السياسة العامة للدولة التي تعيش على أرضها، فتجد من يؤيد هذه الخطة الاقتصادية وتجد من يرفضها، وتجد من يؤيد الحرب ومن لا يؤيدها، من يؤيد هذه الحكومة ومن ينادي برحيلها، ولكنك لا تجد أحدا ضد الوطن نفسه، فالكل يفتخر بوطنيته وانتمائه ويرفض أي شيء يضر بالأمن القومي لبلاده،والكل يقف صفا واحدا في وجه أعداء الوطن ويصد أية محاولات، صغيرة أو كبيرة تسعى للإضرار به.
خطرت لي هذه المقدمة بعد أن قرأت التعليقات التي وردت من القراء الأعزاء حول الخبر الذي نشر مؤخرا عن وجود ما يمكن أن نسميه «مؤشرات إيجابية في مسألة تجنيس قطر لعوائل بحرينية»، وحيث جاء في الخبر أن قطر يمكن أن تعيد العوائل التي تم تجنيسها إلى البحرين مرة أخرى وأن هناك أمل في تنقية الأجواء بين الأشقاء الخليجيين وعودة المياه إلى مجاريها.
لقد وجدت أن الغالبية العظمى من التعليقات التي أعقبت الخبر بعيدة تماما عما ينبغي أن يكون، فمن المفروض أن يفرح أصحاب هذه التعليقات لأنها مشكلة خطيرة ومهددة للأمن القومي البحريني ومهددة لعلاقات الأخوة بين دول الخليج، ولكن التعليقات التي وردت لم تنشغل من قريب أو بعيد بشيء من هذا، وبدا واضحا ان الطائفية هي سيدة الموقف ولا فرق بين ما يهدد الوطن بأكمله وبين المشاكل البسيطة التي نواجهها في حياتنا اليومية، فالحياة الأفضل أهم بكثير من الوطن لدى البعض.
شيء فظيع ومرعب أن يكون البعض هكذا، فأين الانتماء؟ وأين التشبث بالأرض تحت كل الظروف؟
لقد أيقنت تماما بعد قراءة تعليقات القراء على الخبر أن فكرة تجنيس عوائل بحرينية من طائفة محددة هي فكرة شيطانية بكل المقاييس، وأنها في جوهرها مشروع جديد للفتنة يقصد منه إحداث الأثر الذي رأيناه بوضوح من خلال هذه التعليقات غير الوطنية.
فصاحب هذه الفكرة السيئة سيجعل السلطات البحرينية أمام خيارين أحلاهما مر، فإما أن تقبل عملية التجنيس وتقبل بتفريغ البحرين من أهلها، وإما أن تواجه غضب هؤلاء الذين لا يشغلهم امر الوطن وأولئك الذين يفكرون ببطونهم وليس بعقولهم.
يجب ان يعرف البعض ان الذي يتنازل عن وطنه من أجل لقمة أفضل لن تكون له كرامة في أي أرض ولن يكون له انتماء لأي أرض أخرى، لأن اللقمة دون غيرها هي وطنه وهي الدافع الذي يجعله يرحل أو يبقى،أما الوطنية والتشبث بالأرض بمعانيها الجميلة فلا مكان لها عنده.
الذي يحب وطنه يقف إلى جواره ويبنيه لا أن يتركه ويرحل وإن رحل يوما من أجل العمل لابد أن يعود بما جمعه من مال لينهض بنفسه وأهله وبلده.